كان الروح القدس، أو بالحري روح الله، يحل على الأنبياء قديماً في أوقات خاصة لكي يبلغهم أقوال الله. ولكنه لم يسكن في واحد منهم، لأن الخطيئة لم تكن قد أُزيلت عنهم من أمام الله بعد. وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة فقال عن الروح القدس: «إنه لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» يوحنا 7: 39
ولكن لما تمجد المسيح بالقيامة من الأموات والصعود بعد ذلك إلى السماء، على أساس كفاية كفارته، حلّ الروح القدس على تلاميذه وسكن فيهم (أعمال 2)، بناء على وعد المسيح السابق لهم (أعمال 1: 4). ومن هذا الوقت إلى الآن وهو يحل في المؤمنين الحقيقيين. فقد قال الرسول لهم: «إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ لْقُدُّوسِ» (أفسس 1: 13)،
كما قال لهم: «إِنَّكُمْ هَيْكَلُ للّهِ، وَرُوحُ للهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ» كورنثوس 3: 16
تهيئة المؤمنين الحقيقيين للصلاة
ذكرنا في الباب الثاني أن البشر بسبب قصورهم الذاتي لا يستطيعون أن يرفعوا من تلقاء أنفسهم الصلاة المقبولة أمام الله. ولكن بفضل سكنى الروح القدس فيهم تكون لهم القدرة على القيام بهذه الصلاة، لأنه يسمو بنفوسهم إلى حالة الشركة مع الله، كما يعلن لهم مشيئته من نحوهم.
وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة فقال «لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي (بسبب عجزنا الطبيعي). وَلكِنَّ لرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ للّهِ يَشْفَعُ فِي لْقِدِّيسِينَ رومية 8: 26 ، 27 »
تعليمه للمؤمنين الحقيقيين وإعطاؤهم الغلبة على الخطيئة
فقد قال المسيح لتلاميذه عن الروح القدس إنه «يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» – (يوحنا 14: 26).
وقال الرسول للمؤمنين عنه «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ (أي من الله) ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ (شيئاً من أموره تعالى). بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ ه ذِهِ لْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ» (1 يوحنا 2: 27).
ونظراً لأن هذا الروح هو روح الله، فإنه يعطيهم الغلبة على الخطيئة. فقد قال الرسول للمؤمنين أنهم «بِلرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ لْجَسَدِ» (رومية 8: 13). فضلاً عن ذلك فإنه عندما يسود عليهم يربطهم بالله ويطبعهم بطابعه السماوي المقدس. ومن ثم ينظم تفكيرهم، ويهيئهم للسير في طريق الله في كل حين، فيسيرون في طريقه، كما تسير الكواكب في أفلاكها بانتظام، بسبب الجاذبية الكائنة بينها وبين غيرها من الكواكب والنجوم