نقرأ في حياة “آباء الصحراء” أن ناسكا متوحّدًا شعر أن الغضب يشتعل على الدوام في عروقه. فقال في سرّه: “أذهب إلى الصحراء، فهناك على الأقل لا أرى أحدًا أستطيع مخاصمته، فلا تنبثق أمامي في كلّ ساعة سوانح وفرص لإثارة الغضب في داخلي. فلا شك أن الآخرين هم المسبّبون لذلك الغضب”.
قال هذا، وأخذ معه الزاد وجرّة الماء وعصا الترحال. ولما وصل إلى كهفه، وضع الزاد والعصا ناحيةً، ثم تناول الجرّة محاولاً إحكام وضعها. فمالت يمينا، فقوّم اعوجاجها، فمالت شمالاً، فأرجعها قليلاً إلى الوراء مجرّبًا إصلاح الحال، فأوشكت أن تسقط… عندئذ عيل صبره ورفع الجرّة بيديه وخبط بها الأرض… ثم عاد إلى نفسه وقال: “هاأنذا وحدي الآن، ومع ذلك احتدمتُ غضبًا… فسببُ الغضب فيّ إذا، لا في الغير
علاج الغضب
تواضع القلب:
قال القديس دوروثيؤس عبارة جميلة هي: “الإنسان المتواضع لا يُغضِب أحداً، ولا يغضب من أحد”. ذلك لأنه باستمرار يأتي بالملامة على نفسه في كل شيء، ولا يحسب أن أحداً قد أساء إليه، بل أنه يرى كل ما يحدث له هو سبب خطاياه.. وإن كان ألا يسمح لنفسه بأن يلوم أحداً، ولا في فكره، فبالتالي لا يغب على أحد..
المتواضع يطلب بركة كل أحد، وصلاة كل أحد.. لذلك هو لا يُغضب أحداً، بل بالحري يطلب صلواته.
احفظ الآيات الخاصة بذم الغضب، ورددها، ولتكن موضع تأملاتك، وتذكرها كلما حوربت بالغضب. وسنذكر لك هنا أمثلة من هذه الآيات:
غضب الإنسان لا يصنع بر الله (يعقوب 20:1).
الغضب يستقر في حضن الجهال (جامعة 9:7).
ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاس (تكوين 46:49).
لا تستصحب غضوباً، ومع رجل ساخط لا تجيء (أمثال 24:22).
الرجل الغضوب يهيج الخصام، السخوط كثير المعاصي (الامثال 22:29).
الحكماء يصرفون الغضب (سفر الأمثال 8:29).
لينزع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح (أفسس 31:4).
الغضب قساوة.. (أمثال 4:27).
لا تتغاضبوا في الطريق (التكوين 24:45).
الحجر ثقيل، والرمل ثقيل، وغضب الجاهل أثقل منهما كليهما (الآمثال 3:27).
كذلك احفظ بعض الآيات الخاصة بالوداعة والهدوء ورددها.
الغضب هو حركة سريعة، تثار فتندفع. والإبطاء يمنعها. الإبطاء في الغضب يعطي فرصة للتحقق، ولتهدئة النفس من الداخل، والتحكم في الأعصاب وفي اللسان.
ولذلك يقول معلمنا يعقوب الرسول: “ليكن كل إنسان مسرعاً في الاستماع، مبطئاً في التكلم، مبطئا في الغضب. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله” (رسالة يعقوب 20،19:1).
ولهذا أيضاً يقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال: “تعقل الإنسان يبطئ غضبه” (أمثال 11:19).
فالإنسان العاقل لا يسلم نفسه بسرعة إلى إنفعال الغضب، إنما يتناول الأمر بكل هدوء ورزانة وبموضوعية، ويدرسه، ويفكر في نتائجه، وفي أسلم الحلول لمعالجته. كما يتحقق هل الكلام الذي سمعه وأثاره هو حق أو باطل. وهكذا يكون بطيئاً في غضبه
RIP:TMB