بعد العشاء قال الطفل الصغير سامي لوالده: “إني أريد أن أنام، لتأتي معي إلى حجرتي لنقرأ معًا من الكتاب المقدس، ونصلي. بالفعل دخل الوالد حجرة ابنه وجلسا معًا، وبدأ الوالد يقرأ لطفله الصغير من الكتاب المقدس ويشرح له بأسلوب مبسط، وبعد الصلاة قال الوالد لابنه: – أراك يا ابني غير مبتهج، لماذا؟ إني أفرح حين أرى ابتسامتك العذبة!
– أنا متضايق يا أبي.
– لماذا؟
– إني متحير، لا أعرف كيف أرضي أصدقائي في المدرسة. كلما فعلت شيئًا أجد أحدهم ينتقدني!
– لا تحزن يا سامي، قبل التصرف أُطلب أولاً مشورة اللَّه، ولا تتسرع، ويمكنك سؤال من لديهم خبرة مثل أحد والديك أو أب اعترافك أو مدرسك…
– وماذا أفعل مع الذين ينتقدونني بلا سبب؟
– تذكر عبارة الرسول بولس: “لو كنتُ بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح” (غلا10:1).
– لكنني أحيا وسط الناس، فكيف لا أُرضيهم؟
– ألا تعرف قصة برهوم وابنه وحماره؟
– لا يا أبي!
– سأرويها لك: أراد برهوم أن يبيع حماره، وكان برهوم شيخًا قد بلغ الخامسة والسبعين من عمره، له ابن وحيد يبلغ عمره الخامسة عشرة عامًا، إذ تزوج برهوم في سن كبير. سأل الابن والده: “ماذا نفعل يا أبانا؟” أجابه برهوم: “لنحمل الحمار علي أكتافنا!” حمل الشيخ وابنه الحمار وكانا في تعبٍ شديدٍ، وفي الطريق رآهما جماعة من الشبان، فصاروا يسخرون بهما. تقدم أحدهم إلي العم برهوم وقال له: “ماذا حدث يا عم برهوم، هل تركبون الحمار أم تتركون الحمار يركبكم؟ أهكذا تعلم ابنك الصغير الغباء؟!” راجع برهوم نفسه وقال: “حقًا إنني غبي، كيف أحمل أنا وابني الحمار؟!” امتطي برهوم وابنه الحمار فرآهما صديق لهما. مال الصديق علي برهوم وهمس في أذنه: “ألا يوجد في قلبك رحمة؟! أتركب أنت وابنك حمارًا صغيرًا؟! ترفق بالحمار، فيترفق اللَّه بك! كُف عن القسوة!” سأل الابن والده عما قاله له صديقه فأخبره بما قاله، ونزل برهوم ليسير علي قدميه تاركًا الابن وحده ممتطيًا الحمار. عبر الاثنان بسامي أخي برهوم وقد ظهرت عليه علامات الغضب، وهو يقول للابن: “أهذا هو الوفاء؟ أتترك والدك الشيخ يسير علي قدميه، وأنت الشاب الصغير تمتطي الحمار؟! أنزل ودعْ والدك يركب الحمار!” نزل الولد وهو منكسر القلب وطلب من والده أن يمتطي الحمار. وفي الطريق عبرت بعض الفتيات وصرن يسخرن بالوالد الشيخ قائلات: “يا عم برهوم، أهكذا الأبوة؟! كيف تستريح أنت وتترك ابنك الصغير السن يسير علي قدميه؟” عندئذ جلس برهوم وابنه يفحصان الأمر، فقررا أن يسيرا علي قدميهما ويجران الحمار… وإذ فعلا هذا التقيا بمجدي صديق الابن، وكان يتفرس فيهما مندهشًا. اقترب مجدي من العم برهوم وابنه، وبتهكم قال لهما: “ما هذا الذي تفعلانه؟ لماذا لا تركبان الحمار؟ ألم يخلق اللَّه الحمار لكي يركبه الإنسان؟! ماذا؟ أتكرمان الحمار أم تشفقان عليه؟ هل اشتكي الحمار؟!” احتار برهوم وابنه ماذا يفعلان، فجلسا معًا وقررا ألا يهتما بإرضاء الناس، بل يسلكان حسبما يريانه لائقًا في الرب، فيصدر القرار من الأعماق في الداخل. علمني يا ربي ألا أهتم بإرضاء الناس، بل أرضيك يا ساكن في الأعماق! أنت هو الحكمة واهب الفهم، أنت هو القائد والطريق والحق! لأقتنيك فأحيا لك، واسلك بروحك القدوس.
من كتاب أبونا تادرس يعقوب