عاش في القسطنطينية رجل غني، من زعماء المدينة، كان محسناً جداً يوزع الخيرات الكثيرة على الفقراء. وكان لديه ابن وحيد شاب، دعاه مرة، وأراه كل أمواله وقال له: “أتريد يا بني أن أترك لك كل هذا الغنى، أم من الأفضل أن أترك الله مدبراً لأمورك وكفيلاً لك؟”.
وبما أن الولد كان حكيماً وفهيماً وخائفاً لله، ومسروراً جداً بإحسانات أبيه (وذلك من جراء تربية والديه..) أجابه : “من الأفضل أن يكون الله مدبّراً لحياتي، ألف مرة من كل غنى هذا العالم، لأن هذا الغنى لا بد أن يفنى اليوم أو غداً”.
ولدى سماع الأب أقوال ابنه هذه، شكر الرب، وأخذ يوزع أمواله على الفقراء بلا حساب. وعندما مات ترك القليل لابنه، وبعد وقت قصير صار الابن فقيراً ذلي ً لا، يضع رجاءه على الله الذي أودعه أبوه بين يديه. وكان يقطن في البلد ذاته غني آخر، لديه ابنة وحيدة. وكانت زوجته امرأة تقية. قالت له: “أيها الرجل لدينا هذه الابنة الوحيدة، ولقد وهبنا الله كل هذه الخيرات.
فَلْنَسعَ لتزويجها بشابٍ من َنسَبِنا، ذي أخلاق حميدة، كي لا يعّذبها في حياتها. ولنبحث عن شاب يخاف الله متواضع، يتزوج ابنتنا ويرث أملاكنا”.
فعندما سمع الزوج أقوال امرأته قال لها: “تقولين الحق، اذهبي إلى الكنيسة، وتوسّلي إلى الله من أجل هذا الأمر من كل قلبك.
ومَنْ ترينه يدخل الكنيسة أولاً بعد انتهائك من الصلاة، يكون هو مَنْ أرسله الله زوجاً لابنتنا”. ففعلت الامرأة كما قال لها زوجها، وفور انتهائها من الصلاة. دخل إلى الكنيسة ذلك الشاب الذي جعل الله وكي لا عليه. فسألته الامرأة عن َنسَبه وعن بلده.
فقال لها بأنه من تلك المدينة وأنه ابن فلان المحسن؟ ماذا حلّ بأبيك!؟..
فقصّ عيها كل ما حَدَ َ ث لأبيه وكيف تركه لتدبير الله وعنايته. عندئذٍ مجّدت الامرأة الله، الذي أرسل عريساً جيداً لابنتها كما اشتهت.
وقالت له: “ها إن المسيح الذي اخترت أن يكون مدبرَا وحامياً لحياتك. قد أرسل لك امرأة ومالاً، لكي تتصرّف بكليهما بخوف الله وليُنِركَ الله، كي تتابع سيرك في درب أبيك.
وأسرع الوالدان وزوّجا ابنتهما لهذا الشاب. وجعلاه وريثاً لكل أملاكهما..
هكذا يكافئ الله الجزيل العطاء مَنْ يَضَعون رجاءهم عليه لا على الأموال. هل المسيح غائب؟!
إخوتي الأحباء، كل هذه الضوضاء مِن حولنا لا تعني أن المسيح غائب عن هذا المجتمع الإنساني الشقي. إنه حاضر أبداً. إنه يطيل أناته (صبره) علينا من جيل إلى جيل. فنحن ندير له ظهورنا، ثم نتذمّر قائلين: “لماذا يارب صرفت وجهك عّنا؟
ننساه ولا نذكره إلا قليلاً، ثم نصيح متوسّلين “يارب إن نسيتك لا تنسني”.
نطيش، ونبعث في الأرض فساداً، ونعبث بمظاهر الطبيعة، ونتقاتل حتى يفني بعضنا بعضاً، ونحقد، فإذا ارتدّ شرّنا علينا، وحّلت بنا مصيبة ما قلنا: “سبحان الله! يُحي مَنْ يشاء، ويُميت مَنْ يشاء!”
الواقع يا أخوتي، أن الإنسان يُخطئ… ما زال يُخطئ، كما خطئ في البدء، ويرمي خطيئته على سواه. فمرّة يرميها على الخالق، ومراراً يرميها على أخيه الإنسان.