إنجيل هذا الأحد المبارك يُركّز على روحانيّة يسوع المتواضعة والوديعة وعلى رحمته الكبيرة التي لا حدود لها. لقد نبذ الفرّيسيّون يسوع وتآمروا عليه ليُهلكوه، لأنّهم لم يعرفوا من هو، ولم يريدوا أن يعرفوا بل قسّوا قلوبهم لئلا تدخل النعمه إليها.
لكنّ يسوع يُفلت منهم لأنّ ساعة مجابهته للآلام لم تكن قد حانت. فهو لم يهرب خوفًا من أن يقتلوه. فعندما ستأتي الساعة، سيأتي هو بنفسه إلى أورشليم، ويُسلِّم نفسهُ تلقائيًّا للآلام والصلب والموت.
لقد نبذوا خادم الله المتألّم والمتواضع الذي لا يرفع صوته على ما مثّله آشعيا النبيّ. ولم يؤمنوا بأعماله وآياته، لم يؤمنوا بملكوت روحي محفور ومنقوش في قلوبهم. لم يؤمنوا بأنّ التّقوى في القلب، لا في التظاهر بها ولم يدخلوا إلى جوهر رسالة يسوع الروحانيّة.
يسوع المسيح لم يرُدَّ على الفرّيسيّين بروح العداء والثورة والعنف ولا واجههم بما هو له من رصيدٍ عالٍ عند الجموع، بل اختار الابتعاد عنهم وتابع عمله الذي أتى من أجله بمساندة الضعفاء وشفاء المرضى وتعزية الحزانى وإطعام الجائعين والبشارة بملكوت الله وخلاص الإنسان…
يسوع المسيح لم يطلب الشهرة لنفسه، ولا المجد الباطل، بل طلب تحقيق الرسالة ونشر البشارة الجديدة بشارة الحياة في العالم بأسره بدل بشارة الموت والتآمر التي يُنادي بها هذا العالم.
يسوع المسيح هو حبيب الآب وقوّته وحكمته وكلمته. “روح الربّ يُفيضُ عليه ليبشّر الأمم بالحقّ”. يسوع المسيح هو الممتلئ من فيض الروح وقدرة الله، رجاء للشعوب كافّة. خلاصه شاملٌ لكلّ الأمم وليس لليهود فقط. فهو كلمة حياة للذين فقدوا الرجاء وأملٌ جديد للذين في اليأس والقنوط. به ينتصر الحقّ والعدل. به يُمحى البُغض والحقد. به تنتشر رسالة الأخوّة والتضامن والتعاضد بين الشعوب. به تبلغ الكنيسة وأبناؤها الميناء الأمين، فهو مبدأ الحياة والخلاص الأبدي.
في هذا الأحد الثامن من زمن العنصرة، زمن الروح القدس ، يدعونا المسيح إلى التشبُّه به والعيش على مثاله بروح الحبّ والعدالة، بروح السّلام والوفاق، بروح الحكمة والنّعمه، بروح الانفتاح وقبول الآخر، وترك المجال لعمل الروح القدس في قلوبنا وضمائرنا لأنّه هو الذي يحرّرنا من الضلال والخطيئة والموت، ويجعل فينا ما في المسيح يسوع من الأفكار والأقوال والأخلاق، فنصبح عندها رسُلَ خيرٍ وصلاحٍ وبرٍّ وحقّ