الصوم الذّي لا زلنا نختبره، يسمح بأن نعود إلى ذاتنا، وإلى الله، لنكتشف أنّه كلّي القدرة في الغفران، كما هو كلّي القدرة في صنع الآيات والعجائب
إنجيل اليوم هو من أجمل صفحات العهد الجديد، يعني كلّ إنسان مؤمن منّا، لأنّ فيه الحديث عن علاقة متبادلة بين الله والإنسان. وكلٌّ منّا يجد في ذاته أو في الآخرين حوله، شخصيّة الابن الأصغر أو شخصيّة الابن الأكبر. أمّا شخصيّة الأب، الفريدة، فتبقى سبب الفرح، والضمانة والمثال لتصرّف كلّ مؤمن
الأب
في شخصيّة الأب حنانٌ يتوق كلّ من تتحرّك الطيبة في قلبه، أن يعيشه ويُغدِقَهُ على الآخرين. ويتوق آخرون أن يجدوه في الذّين يلتقونهم. إنّه حنان الله، الكليّ القدرة، حتّى في حنانه. وفي عيش هذا الحنان، قربٌ من الله، وممّا نستطيع أن نسمّيه البراءة الأصليّة عند الإنسان
نحن، والابن الأصغر
فكثيرًا ما نقوم بالاختبار الذي قام به الابن الأصغر، من خلال عيشنا قرب الله، ثم البعد عنه، إن قليلاً أو كثيرًا. نختبر، في أوقاتٍ كثيرةٍ، وَهْمَ النعيم، بعيدًا عن الله، فنبتعد. وتختلف أشكال الخطيئة، لكنّها في جوهرها واحدة، وهي البعد عن الله. نتوغّل أحيانًا في البعد، ونشعر أنّنا لا نستطيع أن نتخلّى عن حالة الخطيئة، مهما كان نوعها، مع أنّ في داخلنا حياءً أمام الله وأمام القيم وأمام الذّين علّمونا أو الذّين عاشوا او يعيشون أمامنا هذه القيم. حينها، نشعر أنّنا قد وصلنا إلى موقع لا رجوع عنه. تسحقنا حالتنا، ونعتقد أنّ الله لن يفغر لنا ما عملناه، لأن ما ارتكبناه فظيعٌ هو.
ولكن تفكيرنا بإيماننا وبالكتاب المقدّس، وبعمل يسوع على الأرض، يجعلنا نتيقّن جهلنا: نحن لا نعرف الله عندما نتّهمه أنّه لا يغفر. إنّه المحبّة المطلقة والغفران الكامل. إنّ إبقاء الله حاضرًا في الحياة يوصل، لا محالة إلى التوبة. وعدم الإيمان به، اي إقصاؤه عنها، يُبقي الإنسان بعيدًا، وبعيدًا جدًّا. فلنقُم بالخيار الأوّل، خيار العناد في الإيمان بالله، والشعور الدائم بحضوره معنا، مهما حدث في حياتنا
نحن والابن الأكبر
فيما نجد أنفسنا مرّات كثيرة مثل الابن الأصغر، خطأة تائبين، نرى أيضًا، في ذاتنا أو في محيطنا، أناسًا يلعبون دور الابن الأكبر. ينتهي مثل الابن الشاطر دون أن نعلم إذا دخل الابن الأكبر إلى البيت ليفرح بأخيه، أم لا. فهذه دعوة إلى كلّ منّا أن ندخل ونفرح بتوبة الخاطئ. وهذا يعني اعتبار التائب صادقًا في توبته وقبوله مجدّدًا. هذا يعني أنّ المؤمن، في أعماقه، يجعل نفسه في منأىً عن إدانة، ويفهم أن اختبار الخطيئة عامّ، وأنّ الخاطئ إنسان مثله، ومثله يخطأ. لذا عليه أن يتذكّر أنّ الله بادره بالمحبّة والغفران، وعليه أن يحبّ كلّ إنسان وكلّ خاطئ، من أحشائه، ولا يحبس عنه محبّته وغفرانه. كلمة القدّيس يوحنّا في رسالته الأولى واضحة، تطابق تصرّف الأب ودعوته للابن الأكبر: “بهذا تكون المحبّة، لا بأنّنا نحن أحببنا الله، بل بأنّ الله نفسه أحبّنا، وارسل ابنه كفّارة لخطايانا. أيّها الأحبّاء، إذا كان الله قد أحبّنا هكذا، فعلينا نحن أيضًا أن نحبّ بعضنا بعضًا”
نتابع مسيرتنا في الصوم المبارك، مختبرين هذه الفضيلة، لأنّنا متعطّشون إلى اكتشاف أعمق لوجه الله المحبّ والغافر، ولذاتنا الخاطئة، ولأخينا الإنسان الذّي يعيش بقربنا. في مثل الابن الشاطر، أمثولة عن كلّ ذلك. فلنحاول عيشها