بعدما لام الربّ يسوع الكتبة والفرّيسيّين على كونهم أبناء قتلة الأنبياء، أثبت لهم الآن أنّهم متساوون في الإحتيال وأنّهم كذبوا حين صرّحوا بأنّهم لو عاشوا في زمن آبائهم لما شاركوهم تلك الأعمال. “فاملأوا أنتم مكيال آبائكم”، هو تعبير لا يحوي على أمر بل هو نبوءة بسيطة عمّا سوف يجري. تنبّأ إذًا بأنّهم، وعلى غرار آبائهم الذين أراقوا دم الأنبياء، سوف يسلمون بأنفسهم المسيح إلى الموت ومعه والرسل والقدّيسين الآخرين. إذا واجهتم يومًا ما أحد الأعداء وقلتم له: “نفّذ كلّ الأذى الذي تضمره لي”، فهذا ليس بأمر بل هو دليل على أنّكم اكتشفتم نواياه. وعند تحقّق هذه النبوءة، نلاحظ أنّ عمل اليهود هو بالواقع أفظع من عمل آبائهم الذين قتلوا البشر لأنّ اليهود صلبوا الربّ. وبما أنّه تكبّد الموت طوعًا وباختياره، فلم يحتسب فعلتهم جرمًا ولم يلمهم إلاّ على قتل الرسل والقدّيسين. كذلك لم يقل لهم “أطغوا” بل “املأوا أنتم مكيال آبائكم”، إذ إنّ القاضي العادل والجيّد يبغض تلك الشتائم لكي لا يثأر إلاّ من الظلم المرتكب بحقّ الآخرين. فهم يكملون مكيال آبائهم بالتعسّف لمجرّد أنّهم لا يؤمنون بيسوع المسيح. ويعود سبب جحودهم لتعلّقهم الحرفيّ بمعاني الكتابات بدون إرادة الإعتراف بالبعد الروحي الذي تحمله تلك الكتابات