لا شكّ في أنّ رواية لقاء يسوع مع تلميذي عمّاوس تصلح لأن تكون أمثولة روحيّة لكلّ مؤمن. ففيها معانٍ تشتدّ روعتها، وتعني حياة كلّ منّا وتظهر لنا عمل الله الخلاصي من أجلنا. فلنتأمّل ببعض جوانبها
مفاجآت الله والعودة
في سيرهما الحثيث بعيداً عن موطن الآمال، أطلّ الأمل ولكنّهما لم يعرفاه. أطلّ ابن الله ورافقهما في مسيرتهما. ربّما توقّعا أموراً كثيرة، ولكنّ مرافقة الربّ لهما أمر لم يتوقّعاه. بعد أن أخبراه كلّ ما في قلبيهما، وبعد أن شرح لهما الكتب، وبعد أن استضافاه، وبعد أن احتفل معهما بالافخارستيا، عرفاه، وعرفا أنّ الحقّ فيه وفي كلّ ما عمله وعلّمه
هذا هو موقف المؤمن الحقيقي. على الرغم من كلّ ضياعه وإحباطه لفترة، يعود فيكتشف أنّ الربّ معه، أنّه يرافقه في مسيرته الحياتيّة، أنّه يعطيه أكثر بكثير ممّا يتوقّع، وأنّه يلاقيه في الكنيسة وفي أسرارها. حينها يعود المؤمن إلى الآمال. يعود المؤمن فيتذكّر كلام يسوع لتلميذي عمّاوس، أنّ الصليب هو في مخطّط الله الخلاصي، فكان يجب أن يتألّم المسيح. يعلم المؤمن حينها أنّ الصليب حقيقة لا يمكن تجاهلها وأنّه، أي الصليب، سوف يظلّ صليباً عليه يتألّم الإنسان، ولكنّه يعلم الآن أنّ الصليب ذاته ممزوج بالقيامة، وأنّ الله أبطل مفعول الألم القاتل وجعل الصليب، من خلال الألم، سبيلاً إلى الحياة
الكتب المقدّسة والافخارستيا
وإن تخيّلنا تصرّف تلميذي عمّاوس بعد ما حدث معهما على الطريق، نستطيع رؤيتهما يهرولان، بعد أن التقيا الرسل، إلى تصفّح الكتاب المقدّس وإلى المواظبة بغير كلل على الإفخارستيّا. يعرفان جيّدًا أنّ هناك يكمن فرحهما لأنّهما هناك يلاقيان رفيق الدرب، يلاقيان يسوع. فرواية عمّاوس تدلّ أين يكمن لقاء الربّ وفهمه: في الكتب المقدّسة، وفي الكنيسة، وفي الأسرار
خاتـمة
فلنسأل الله أن يبقي قلوبنا مضطرمة فينا، ولنعد دائمًا إلى الكتب المقدّسة وإلى الكنيسة وأسرارها. هذا هو الأمر الأهمّ. فإن أحبطنا أمر محزن لبعض الوقت، تذكّرنا أنّ الصليب في تصميم الله الخلاصيّ، وأنّ الربّ دومًا معنا، في مسيرة الحياة، في يوميّاتها. نحن نعلم، أنّ حياة الإنسان تتواصل في بساطتها وفي يوميّاتها، في رفقة القائم من القبر، أسراريًّا، مع كلّ ما تحمل الحياة من مفاجآت ومن تضاربات ومن أمور غير متوقّعة
حينها يطلّ رفيق الدرب، يطلّ يسوع ويستفيض شرحًا يريد من خلاله أن يعطينا الخلاص والحياة. حينها نكتشف أنّ آمالنا ثابتة وأنّه أمين لوعوده وأنّه فيّاض محبّة تجاهنا.
شكرًا تلميذي عمّاوس لِما علَّمتمانا. الشكر خصوصاً لك يا يسوع لأنّك سلكت الدرب معهما وتسلكها معنا دومًا