في زمن الدنح المجيد، وبخاصة في الأسابيع الثلاثة الأولى، يعلن المسيح سرّه ليوحنّا المعمدان أوّلاً، وللرسل ثانيًا، ولنيقوديموس ثالثًا. ويبقى السؤال لماذا لنيقوديموس تحديدًا؟ فالجواب واضح من خلال ما جاء في (يو2/23-25) إيمان النّاس بيسوع في أورشليم، في عيد الفصح، لكثرة عجائبه، غير مكترسين للإيمان به شخصيًّا. مع العلم بأنّ يسوع لم يكن يأمن على نفسه منهم، وكان يعلم ما في الإنسان. لذلك دعا نيقوديموس كونه من حزب الفريسيّين، وأحد أعيان اليهود، وهو يمثّل شعب الله القديم، الّذي دعاه الله إلى الإيمان بابنه إلهًا وفاديًا. دعاه من إيمانه السطحيّ إلى إيمان أعمق وأكمل، إلى ولادة روحية جديدة. فلبّى نيقوديموس الدعوة وتقدّم في الإيمان عبر مراحل ثلاث
المرحلة الأولى: حواره مع يسوع ليلاً (يو3/1-16) أي النص أعلاه
المرحلة الثانية: مدافعته ولو بطريقة خفيفة ناعمة أمام الأحبار والفريسيّين، عندما غضبوا على الحرس لعدم جلبهم يسوع، ولعنوا الشّعب، عندها قال نيقوديمس: “هل تدين توراتنا الإنسان قبل أن تسمعه وتعرف ما يفعل” يو7/50-52
المرحلة الثالثة: عند الصليب يوم أنزل يوسف الرامي ونيقوديموس جسد يسوع، وسكبا عليه الطّيوب، ودفناه في قبر جديد يو19/39-42
يقسم الحوار بين يسوع ونيقوديموس ثلاثة أقسام: عمل الرّوح القدس (1-8)، عمل الأبن (9-15)، وعمل الآب (16-21). وموضوع الحوار واحد: الولادة الجديدة هي بالإيمان بالله، بالآب والإبن والرّوح القدس. فالولادة الجديدة شرط لمشاهدة ملكوت الله. وهذا التعبير “ملكوت الله” لا يرد، في إنجيل يوحنّا، سوى مرّتين، نراهما في إنجيل هذا الأحد الثالث بعد الدنح في الآية 3 و 5 ويعني “الحياة الأبديّ” فالإنجيلي يوحنّا يذهب إلى الجذور، بينما شرط الدخول إلى الملكوت، لدى الإزائيين، التوبة والعودة إلى الطفولة مر10/15؛ متى18/3
كما يتفرّد الإنجيليّ يوحنّا بتعابير فريدة نتوقف عندها
أوّلا: “من الماء والرّوح” توضيح للآية 3: الولادة من جديد، هي الولادة من ماء العماد والرّوح القدس (طي3/5-7). فالولادة الجديدة الرّوحية، الّتي تتمّ بالعماد، تجعلنا أبناء الله، وتجعلنا ننمو في هذه البنوّة بقوة الرّوح القدس، مدى الحياة. ولهذا جمع الإنجيليّ اللفظتين بحرف جرّ واحد: من الماء والرّوح
ثانيا: “الرّوح والريح” كثيرًا ما شبّه العهد القديم عمل الله السرّي بالريح الخفية (جا11/5؛ مثل30/3؛ سير16/21) والمقصود من هذا المثل أنّ عمل الله خفيّ حرّ، ولكنّه حاضر فاعل، مقاصده لا يدركها إنسان
ثالثا: “الحية وابن الإنسان” رفع موسى حيّة من نحاس في البرّيّة، وكان كلّ خاطىء ملدوغ يشفى إذا ما نظر إليها تائبًا، مؤمنًا (عد21/4-9). ويسوع يُصلب فداءَ البشر، ويُشفى من لدغة الشّيطان، ويحيا كلّ من ينظر إليه تائبًا، مؤمنًا (يو19/37). وينبىء يسوع، في يوحنّا، ثلاث مرات بارتفاع ابن الإنسان (3/14؛ 8/28؛ 12/32). بارتفاعه مصلوبًا، ثمّ قائمًا من القبر ثمّ صاعدًا إلى السماء. وينبىء، في الإزائيين، ثلاث مرّات بموت ابن الإنسان وقيامته (متى 16/21؛ 17/22-23؛ 20/18-19).
لم يفهم نيقوديموس ما قاله يسوع في تلك الليلة، ولكنّه عاشه يوم رأى يسوع مصلوبًا. ثمّ أتى هو ويوسف الرامي ينزلان يسوع عن الصليب، ويطيّبانه، ويدفنانه في قبر جديد (19/38-40). لذا على ضوء القيامة علينا يوميًّا أن نولد ولادة روحية من خلال الأسرار المقدسة لاسيّما سرّ القربان مصدر القداسةن أمثال مار شربل، ومار نعمة الله، والقديسة رفقا، والطوباوي أبونا يعقوب