ليلة انطفأ سراج عنّايا، عشيّة ميلاد سنة 1898، لم يعلم غير الله أنّ نور هذا السراج المتواضع سيعود ويشعّ نوره ويملأ القبر، عنّايا، لبنان والعالم. في اليوم الذي اختفت فيه الكلمة من صدر حبيس عنّايا بصلاة “يا أبا الحق….”، لم يعلم غير الله وحده أنّ هذا الراهب المتواضع سيصير حكاية نسك وتقوى على شفاه الكثيرين. اليوم، في عنّايا، تتلاشى أمام أعيننا أمورٌ كثيرة في الحياة كنّا نحسبها مهمة وأساسيّة. فمع شربل القديس، تنكشف لنا قيمةُ الصلاة الشخصيّة وأهميّةُ لقائنا مع ذواتنا ومع الله. مع شربل، ندخل إلى مدرسة التأمل والصمت والعزلة عن ضوضاء هذا العالم
لذلك، ومن غير الصدفة، كانت عطيّة الله لكلّ واحد منّا مار شربل، رجل الصلاة والنقاوة، ليكون لنا الرفيق والصديق والأخ الأقرب، وبالأخصّ في هذا العصر بالذات، عصر الإغراءات والضوضاء والضجة، عصر الخطيئة المتزايدة والمتراكمة، عصر موت الضمير، عصر الزنى والمال، عصر يسعى ألاّ يكون الله لا في حياته ولا بأعماله. عصر صار فيه القتل والإجهاض وكل الملذات شيئاً سهلاً. فكم من الخطايا يفعلها الإنسان وهو غير مبال بما يفعل؟
هنالك أمور وأمور فقدنا قيمتها! فأين هي حرمة الجسد؟ وكأنّ كلَّ شيىء مباحٌ. عالم فيه الإيمان صورة مسطّحة. عالم لا يحسّ بوخز الضمير وخطورة الخطيئة. هذا الضمير هو صوت الرب بحياتنا
باختصار، إنّه عالم لا يريد أن يقلع الزؤان الموجود جانب القمح، كما قال الرب يسوع في الإنجيل اليوم، بل يريد لهذا الزؤان أن ينمو بجانب القمح بالشرّ والخطيئة. عندها، يبادر الله المحبّ ويعطينا القديسين مثالاً لنا في القدوة والالتزام المسيحي. ومنهم القدّيس شربل الذي اتّحد به طوال حياته وأحبّه من كلّ قلبه ووجدانه وما سمح أبداً بأن ينبت الزؤان بجانب حياته، فكان الأرض الخصبة في العطاء
من خلال قداسة شربل المسيحي والراهب والكاهن، ماذا يريد أن يقول لنا الرب يسوع اليوم؟ إنّنا نسمعه يقول: أعطيتكم شربل القديس قدوة لكم، لأنني أحبكم وأنا معكم وحاضر بحياتكم بكل لحظة ومع كل واحد منكم. أنا يسوع المخلّص الشافي جراحات نفوسكم وأجسادكم، أنا الحامل معكم وعنكم كلّ آلامكم وأتعابكم ودائمًا أرفعها إلى أبي السماوي مع ذبيحتي على الصليب. أنا هو الرب اتحدوا بي وابتعدوا عن الخطيئة التي تدمّر نفوسكم. إرفعوا قلوبكم إلى فوق، هنالك تجدون ملء غايتكم. فإذا ابتعدتم عنّي، أنا نبع الحياة، تعيشون بالفراغ والضياع ويأتي زؤان ويبزر الشرّ وينمو ويهلك حياتكم. أنا هو يسوع الطريق والحق والحياة الأبديّة
هذا النداء الذي يأتي من الرب يدوّي اليوم بقلب كلّ واحد منّا. والبرهان الحسي، هو التالي: أخوتي المؤمنين، أنتم تعلمون أنّ شفاعة مار شربل دخلت على كلّ بيت. (وأيّ بيت ما صنع معو مار شربل أعجوبة… إرتداد الى الله… تدخّل على الصعيد الشخصي…). إنه موزّع الخير والرسول ليسوع الذي يدخل إلى قلب كلّ واحد منّا بمحبّته الأخويّة ويهمس بأعماق ذواتنا، ينادينا ويذكرنا ويقول لنا: يا أبنائي، إنّ الله هو غاية وجودكم، لا تنزلقوا وتنغمسوا بالخطيئة، إنفضوا غبارها عنكم واغرسوا مكانها الطهارة والنقاوة والمحبّة. إرفعوا قلوبكم إلى فوق واحملوا الصليب مع المسيح بحياتكم كما أنا حملته. توبوا. صلّوا. كونوا أبناء الكنيسة الذي أسّسها المسيح وكنت أنا من أبنائها. قدّسوا. اعترفوا…..لا تدعوا الشرّ يدخل ويزرع البغض والضغينة في قلوبكم… إرجعوا إلى العيلة التي أسّسها الله، لأنّ (العيلة عم تتفكفك) بسبب الفتور بالصلاة وعدم التضحية وعدم الاتكال على العناية الالهيّة، ثابروا وثابروا
أخيراً مار شربل ينتظرنا أين ما كنّا حتّى نفهم معنى الحياة وغاية الانسان الوحيدة وهي الله وحده
صلاتنا نرفعها الى الله بشفاعة مار شربل على كلّ النوايا. طالبين من الرب ان يفيض علينا روحه القدّوس حتى يهدينا الى الحق ونكون شهود محبته على مثال هذا القديس العظيم. آمين