تعظّم الرّب نفسي، نشيدُ شكرٍ هتفت به البتول مريم لأنّ الرب نظر إلى تواضعها وفاضت نعمته عليها فحلَّ الروح القدس فيها وحملت مخلّصَ العالم في أحشائها. فأصبحت هيكل الله الجديد بدل هيكل أورشليم وسكنى الروح القدس. نشيدٌ رائع مجّدت فيه الرب لأنه حقق فيها مواعيده وعهده الأبدي، فمريم بنعمها “ها أنا أمة للرب” أسهمت في تحقيق تدبير الله الخلاصي وأصبحت خادمة الخلاص ورسولة السلام والفرح.
إنَّ انتقالَ العذراء مريم وإكرامَها وتعظيمَها في السماء والأرض هو ثمرة حياة مليئة بالنعمة فهي مثال الإيمانِ والخدمةِ والعنايةِ والمحبة، مثال الصلاةِ والرجاءِ والصبرِ والصمتِ والتأمل.
شاء الله أن يعطي الطوبى العظمى للبتول الطوباوية مريم وأن يحفظ جسدَها من الفساد لأنها عملت بمشيئته القدوسة.
في عيد الانتقال هذا نتأمل بمريم العذراء التي عاشت الأمومة بكل معنى الكلمة فربّت ابنها يسوع وبقيت ملازمةً له في كل حياته وكانت تحفظ كلماته في قلبها فكانت مثالَ الأمِّ الحنون التي ترأفُ على ابنها فتسانده في الأفراح والأحزان مرافقةً إياه حتى الصليب. وضعَت ثقتَها وإيمانَها بشكلٍ كاملٍ بالله وبتدبيره الخلاصي للبشر، لم تتراجع يوماً بل كانت تقول كل يومٍ “نعم” لإرادة الرب. وبعد القيامة بقيت برفقة الرسل تساندُهم بنشر رسالةِ ابنِها، رسالةَ الحياة والبشارة الجديدة. فاستحقت بكلِّ جدارة أن ينقلها الله إلى السماء بالنفس والجسد وأن يجعلها سلطانةً على السماوات والأرض. أفاض اللهُ نعمةَ المحبةِ على أمِّه، فهو الآتي لكي يخلّصَ الإنسانَ من الموت ويعيدَ إليه الحياة، كيف لا يخلّصُ أمَّه؟ _ وهي بيتُهُ المقدّس _ وينقلُها اليه ويجلسُها على عرشه ويكمّلُ محبتَه ويشركُها بقيامتِه ومجدِه في السماء كما أشركها بآلامه على الأرض.
ماذا تقول لنا العذراء مريم في عيد انتقالها؟ إنها تدعونا إلى عيش مسيرةِ الإيمان إلى أن نقول كل يومٍ “نعم” على الرغم من الضعف والألم، إلى الثقة بابنها يسوعَ المسيحِ من دون ترددٍ أو رجوعٍ إلى الوراء. فكما رافقت ابنَها في حياته وجعلته محورَ حياتها، نحن أيضًا مدعوّون إلى أن يكون المسيحُ محورَ حياتنا وغايتَها، فهو قدوتُنا ومثالنا بالتواضعِ والمحبة وحمل الصليب إلى مجد القيامة
وإننا نصلي في هذا العيد المبارك أيضاً مع القديس يوحنا الدمشقي :” نقف أمامكِ أيتها الملكة، أجل، الملكة، والدة الله العذراء، نعلّق عليك رجاءَنا كما على مرساةٍ أمينة وراسخة. نكرّس لك عقلَنا ونفسَنا وجسدَنا، بجملته: نريد أن نكرمك “بمزامير وتسابيح وأغانٍ روحيّة بقدر ما نستطيع لأنّ تكريمَك بحسب مقامِك يفوق استطاعتَنا. أيّةُ غبطةٍ وأيُّ خيرٍ لا يملأ مَن يجعل من عقله المقرَّ الخفيَّ لذكرِك المقدّس، آمين