نحن في الأحد الثالث بعد عيد الصليب وفيه إعلان لمجيئ ربّنا، “حيث تظهر علامة إبن الانسان”، والتي تشير إلى علامة الصليب، كما رأى الآباء القدّيسون
نتابع في هذا الإنجيل ما بدأنا التأمل به في الأحد الفائت، ألا وهو خطاب يسوع النهيوي بحسب إنجيل متّى، أي كلام يسوع عن الأزمنة الأخيرة. تأمّلنا اليوم حول فكرة واحدة وهي: “الأنبياء الكذبة” والمضلّلين
حذّرنا يسوع من التضليل على يد مسحاء كذبة، فدعانا إلى الوعي واليقظة ووصف لنا إبليس بسيّد العالم وبأبي الكذب، قاتل الناس ومضلّلهم ومهلكهم. ولقد ورد في سفر الرؤيا عن وصف المضلّل بالتنين “القوي الذي يجترح المعجزات”. إنه روح الشر والكذب الذي يعمل دومًا على تضليل العالم لكي يبعدهم عن الحق والحياة الذي هو المسيح الرب المخلّص. ولقد أتى يسوع وخلّصنا من سلطانه ورسم لنا طريق الحياة وأنارنا بمعرفته ووهبنا قوّة خلاصيّة لكي نميّز ما هو روح الحق وما هو روح الضلال. إنّ روح الضلال والكذب مناقضٌ تمامًا لروح الله. إنّه الروح المتستّر بالغشّ والخطيئة الذي يحمل في طيّاته الموت
عالمنا اليوم، بملء إرادته وحريّته ووعيه، يبتعد عن الله ويتجاوبُ مع روح الكذب والضلال. إنه عالمُ المادة وموتُ الضمير. عالمُ القتلُ والإجهاض، عالمُ الجنسِ والإباحيّة. عالمٌ يُفتّش عن كلّ شيء ما عدا الله. عالمٌ فَقَد ضميرَه وقيمَه وقدسيّةَ جسده وذهب بعيدًا إلى أقصى الغربة عن ذاته وعن حقيقته الأساسيّة كإنسان مخلوق على صورة الله. لقد شوّه هذه الصورةَ مجددًا وهو يحاول أن يبرّر ما فعل باسم الإنسان والحياة. إنه عالمٌ ضَلَّ عن الحقّ الذي أتى المسيح من أجله
لذلك، يدعونا إنجيل اليوم إلى الانتباه والحذر من الأنبياء الكذبة الكثر الّذين يضلّون النفوس بتعاليمهم. والربّ يحذّرُنا بقوله: “إحترزوا من الأنبياء الكذبة الّذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة. من ثمارهم تعرفونهم”. وأعظم تنكّر للشيطان هو ظهوره أمام الناس بشكل “ملاك نور”. فلنعتصم بالصلاة وبالتوبة إلى الله. لنعِ ما يجري في عالمنا من ضياع كبير. لنرجع إلى روح الإنجيل والتأمّل فيه بإيمانٍ عميق فإنّه الطريق إلى الله. لنرجع إلى تعليم الكنيسة التي تحمينا من الانحرافات والأخطاء على مستوى التعليم والإيمان والأخلاق
وأخيرًا يهمّ الرب يسوع أن لا نترقّب مجيئَه بالمجد، بل ننتظره من خلال مجيئِه اليومي في حياتنا، عبر أعمالنا الصالحة وسهرنا على نفوسنا من روح الخطيئة، وهذا السهر مَقرون بتوبةٍ صادقةٍ وتأمّلٍ في كلمته وبممارسة الأسرار الكنسيّة
يسوع المسيح هو الكنز الذي لا يثمّن، علينا أن نجعلَ من هذا الكنز كنزَنا ونبحثَ عنه ونضعَه في قلوبنا وفي حياتنا، لأنه هو وحده “الطريقُ والحقُ والحياة”، آمين