في إنجيل اليوم، قصّة بائس اجتاحه مرضٌ فتّاك، غير قابل للشفاء في أيّامه. وكان يسوع قد صلّى وأظهر اتّحاده الخاصّ مع الآب، فلاقاه ذلك البائس وصرخ: “إن شئت، فأنت قادر ان تُطهِّرني”. أعطاه يسوع الطهارة الحقيقيّة وطهّر، بحضوره، المكان الّذي كان الأبرص يعيش فيه. إنّها جميعها محطّات تأمّل لنا، تُدخلُنا في سرّ كبير، سرّ الله ومحبّته للبشر وإرادته الخلاصيّة تجاههم
قبل ملاقاة الأبرص، استرسل يسوع في الصلاة، وقال بعدها: “إنّي خرجت… لأكرز، وسار في كلّ الجليل، وهو يكرز في مجامعهم ويطرد الشياطين.” يسوع هو ابن الله، متّحد به دوماً. ومع ذلك، كان لنا مثالاً، كبشرٍ، باللجوء إلى الصلاة، من أجل الاتحاد بالله، ومن أجل معرفة إرادته فينا وفي رسالتنا الحياتيّة. حكاية يسوع مع الصلاة، حكايةٌ مثالٌ لكلّ واحدٍ منّا. فلنقتدِ بربّنا ولنفتّش عن هنيهات الوحدة في حياتنا، نبتعد فيها عن الصخب والضجيج ونلاقي أبانا السّماوي، لنتّحد به ونعرف إرادته في حياتنا
يصعقنا بؤس ذلك المريض، ذلك الأبرص. إنّه مريضٌ جسديًّا، ومبعدٌ عن سائر الناس وعن العبادة الدينيّة. دينه يحكم عليه بأنّه نجس، أي إنّ الله غير راضٍ عنه، وإنّه ارتكب سوءاً كبيراً استحقّ من جرّائه هذه الحالة. حين كان منبوذاً من الجميع، ومعتقداً أنّ دينه ينبذه، صرخ إلى ذلك الآتي من أجل الضعفاء منهم، صرخ إلى يسوع: إن شئتَ فأنتَ قادرٌ أن تطهّرني
بيّن لنا يسوع أنّ الإنسان، في الأصل، طيّب وبريء، وأنّه لا شيء خارجيّ يجعل الإنسان نجسًا، بل ما يأتي من الداخل قد ينجّس الإنسان ويجعله بعيدًا عن الله. كما بيّن الربّ أنّه، وحده، الكفيل في إظهار برء الإنسان، وتصويب مسيرته نحو الطهارة الحقيقيّة
بفضل لقاء الإنسان بالربّ، يستطيع أن يكتشف جمال الحياة في البرء الذي يعطيه إيّاه الله. إنّه اختبار عميق لا يفهمه إلاّ الذي يختبر حضور الله في حياته، عن حقّ. تكون الدنيا من حوله هائجة ومضطربة، تحاول تدنيس الإنسان وتلطيخه بأمور وهموم وغرابة، فيلجأ هو إلى حضور الربّ فيه ويستمدّ منه برءًا داخليًّا، يحاول أن يجعل الأمور فيه وحوله أكثر برءًا وإفادة للإنسان وللمجتمع وللكون
قصّة الأبرص تحرّك فينا الشعور الإيماني، فنطمئنّ إلى أنّه باستطاعتنا أن نصرخ: “إن شئتَ فأنتَ قادرٌ أن تطهّرني”. ونعلم أنّ الإجابة هي بالطبع: “قد شئتُ فاطهر”، ليس بالضرورة بمعنى الشفاء الجسدي، بل بالبرء الكليّ الذي نناله فتضحي نظرتنا إلى الإنسان وإلى الطبيعة صحيحة. برء وطهارة ونظرة نيّرة: هذه هي مفاعيل لقاء إيماني مع الربّ. فلنختبره