وفي تلك الأيام، قامت مريم وذهبتْ مُسرعةً إلى الجبل، إلى مدينةٍ في يهوذا
ودخلت بيت زكريّا، وسلَّمت على إليصابات
ولمّا سمعت إليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت من الرّوح القدس
فهتفت بأعلى صوتها وقالت: مباركةٌ أنتِ في النّساء، ومباركةٌ ثمرة بطنكِ
ومن أينَ لي هذا، أن تاتي إليَّ أمُّ ربّي؟
فها منذ وقعَ صوتُ سلامكِ في أذنيَّ، ارتكضَ الجنينُ ابتهاجًا في بطني
فطوبى للتّي آمنت أنّه سيتمُّ ما قيلَ لها من قِبَل الربّ
********************
كيف يمكننا نحن المسيحيّون أن نطبّق عمليًّا هذا الإنجيل بحياتنا اليوميّة؟ لنسمع ما يقول يسوع في إنجيل لوقا. فيما يسوع يتكلّم، رفعت امرأة من الجمع صوتها وقالت له: “طوبى للبطن الذي حملك، وللثديين الّلذين رضعتهما! أمّا يسوع فقال: بل طوبى للّذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها!” (لو11/27-28). إخوتي، أمّنا مريم العذراء هي المثال الأعلى لكلّ واحد منّا. فيسوع بذاته يطوّب كلّ إنسان يسمع كلمة الله ويحفظها ويعيشها. هذه الكلمة هي ذاتها التي سمعتها مريم العذراء وحفظتها في قلبها وعاشتها طوال حياتها، هي ذاتها ممكن أن نعيشها ونجسّدها بحياتنا، ومن خلالها نصبح حاملين الرب في قلوبنا وفي وجداننا
أما تعمّدنا باسمه وأصبحنا هيكله القدّوس؟ أما نتناول القربان الأقدس الذي هو بحدّ ذاته “الكلمة التي صارت جسدًا”؟ ألا نقرأ الكتاب المقدّس في بيوتنا ونسمع كلمة الإنجيل كلّ أحد؟ يكفي أن نؤمن ونثق على مثال أمّنا مريم العذراء والقدّيسين، وبالأخص مار شربل لنصبح حاملين الله في قلوبنا ونحمله إلى الآخرين بفرح واندفاع
إخوتي، العلاقة مع الآخر هي المقياس. كيف أعيش مع المسيح وكيف أجسّد حبّه بعمق كياني. فيسوع الذي حملته مريم وذهبت به إلى أليصابات، هو الفرح، السلام، المحبّة، الطهارة، الرفق، الصدق، الغفران، الحنان، التواضع، الحق والحياة…. هذه بعض الصفات إذا عشناها يكون المسيح هو المتجسّد والفاعل فينا. وإذا فعلنا العكس، تلقائيًّا ممكن أن نعكس كلّ السلبيّات…. كلّ مرّة نتناول جسد الرب في القدّاس، يمكن أن نحمله على مثال مريم. لذلك يجب أن يكون حضوري هو حضور المسيح بالذات، نعمة وبركة لأخي الإنسان. كلّ إنسان نلتقيه يريد أن نحمل إليه الفرح والسلام. لذلك من غير المقبول أن تكون لقاءاتنا للثرثرة وللكلام ضدّ الغير بتجريحه وإدخال الحزن إلى قلبه. علينا أن نزرع السرور والفرح والمصالحة والهدوء إذا كنّا حقًّا نعيش مع الله بفرح ونسمع كلمته ونثابر عليها
وأخيرًا نستنتج من أحد زيارة العذراء لأليصابات، “أنّ الجنينين هما شخصان معروفان في هويّتهما ومنتظران: يسوع ويوحنّا؛ ما يعني أنّ كلّ جنين هو شخص بشري بكلّ معنى الكلمة، وله كرامته واحترامه”. المطران بشارة الراعي سلسلة التنشئة المسيحيّة ص62
فكلّ أب وأمٍّ هما مسؤولان أمام الله وأمام ضميرهما عن كلّ ولد موجود ومنتظر بأحشاء أمّه منذ اللّحظة الأولى بالحبل به. فكلّ تعدٍّ متعمّد على حياة الجنين، مهما كانت الأسباب والتبريرات، هو فعل خطير وخطيئة جسيمة جدًّا ومسؤوليّة كبيرة أمام الله. فكلّ إنسان منذ اللّحظة الأولى هو مخلوق على صورة الله ومثاله. ويسوع بتجسّده كشف لنا عندما صار إنسانًا وعاش إنسانيّته منذ اللّحظة الأولى بالحبل به في أحشاء أمّه، أنّ كلّ إنسان منذ اللّحظة الأولى وهو في أحشاء أمّه له كرامة لا مثيل لها وغير قابلة أبدًا للتعدّي والإجهاض. فهو إنسان مُخلّص ومُعدّ لأن يكون إبنًا لله بالتبني ومدعو لأن يدخل بعلاقة شخصيّة مع الرب وأن يشترك معه بالحياة الأبدّية
فلنصلِّ لكلّ أب وأمّ لكي يعيا أهميّة مسؤوليّة الحياة التي وضعها الله بين أيديهما ويحافظا عليها لأنها وزنة ثمينة أعطاهما أيّاها الرب. فلنعتصمْ بالصلاة من أجل هبة الحياة التي بين أيدينا
شفاعة أمّنا مريم العذراء تكون معنا وتحفظنا من كلّ مكروه، آمين