وكان بعد ذلكَ أنَّ يسوع أخذَ يطوفُ المُدن والقُرى، يكرزُ ويبشِّرُ بملكوت الله، ومعهُ الإثنا عشر
وبعضُ النّساء اللّواتي شفاهُنَّ من أرواحٍ شرّيرةٍ وأمراض، هُنَّ: مريم المدعوّة بالمجدليّة، التي كان قد خرجَ منها سبعةُ شياطين
وحنّةُ امرأةُ خُوزى وكيل هيرودُس، وسوسَنّة، وغيرهنَّ كثيراتٌ كُنَّ يبذُلنَ من أموالهنَّ في خدمتهم
ولمّا احتشدَ جمعٌ كثير، وأقبلَ النّاس إليه من كلّ مدينة، خاطبهم بمِثل
“خرجَ الزّارع ليزرع زرعَهُ. وفيما هو يزرع، وقعَ بعضُ الحَبِّ على جانب الطّريق، فداستهُ الأقدام، وأكلتَهُ طيورُ السّماء
ووقعَ بعضهُ الآخر على الصّخرة، وما أن نبتَ حتّى يَبِسَ، لأنّهُ لم يكُن له رُطوبة
ووقعَ بعضهُ الآخر في وسَط الشّوك، ونبتَ الشّوك معهُ فخنقَهُ
ووقَعَ بعضهُ الآخر في الأرض الصّالحة، ونبتَ فأثمرَ مئة ضِعف”. قال يسوع هذا، ونادى: “مَن لهُ أذنان سامعتان فليَسمعْ
وسألهُ تلاميذهُ: ما تُراه يعني هذا المثل؟
فقال: “أنتم قد أُعطيَ لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت الله. أمّا الباقون فأكلِّمهم بالأمثال، لكي ينظروا فلا يُبصروا، ويسمعوا فلا يفهموا
وهذا هو معنى المَثَل: الزَّرع هو كلمة الله
والذّين على جانب الطّريق هُم الذّين يسمعون، ثمَّ يأتي إبليس فينتزعُ الكلمة من قلوبهم، لئلاّ يؤمنوا فيخلُصوا
والّذين على الصّخرة هم الذّين يسمعون الكلمة ويقبلونها بفرح؛ هؤلاء لا أصلَ لهم، فهم يؤمنون إلى حين، وفي وقتِ التّجربة يتراجعون
والذّي وقَعَ في الشّوك هم الذّين يسمعون ويمضون، فتَخنُقُهُم الهُموم والغِنى وملذّات الحياة، فلا ينضَج لهم ثمر
أمّا الذّي وقَعَ في الأرض الجيّدة فهُم الذّين يسمعون الكلمة بقلبٍ جيّدٍ صالحٍ فيحفظونها، ويثبتون فيثمرون
*****************
تضع لنا الكنيسة، في الأحد الثالث من زمن العنصرة، مثل الزارع الّذي يشدّد يسوع من خلاله على سماع كلمة الله بقلبٍ طيّب ونقي، وحفظها والثبات عليها
فالإيمان بكلمة الله هو الباب والمنفذ إلى الخلاص، هذه الكلمة هي مثل الشمس تشعّ على الأخيار والأشرار. فالأخيار يقبلونها بقلب طاهر وضميرٍ صافٍ وعقلٍ نيّرٍ فتثمر فيهم وتعطي ثماراً كثيرة. أمّا الأشرار فيسمعونها ولكنّها تبقى بعيدةً عنهم ولا تدخل أعماق قلوبهم لأنّها فارغة وسطحيّة ومتحجّرة ومنهمكة بأمور كثيرة وبشهوات هذا العالم الزائل
وقد كانت أمثال يسوع أداة لإفهام أسرار الملكوت لعامة الناس من دون استثناء. فالمسيح يريد أن تصل كلمته إلى قلب كلّ إنسان لأنّ رسالته جامعة وشاملة فهو يريد خلاص البشريّة وافتداءها بأسرها
هذا الإنجيل دعوة لنا إلى تنقية القلب وجعله تربة خصبة من أجل استقبال كلمة الله بصدر رحب، وحفظها والعمل بمشورتها
كلمة الله نسمعها وتأتي إلينا مثل النسمة في الريح، لذلك وجب علينا أن نكون مستعدّين لقبولها في كلّ زمان ومكان وفي اللحظة الآتية من حياتنا. لنكن دائماً مستعدّين لأنّنا لا ندري متى تأتينا