مَن كانت لديه وصاياي ويحفظها، وهو الذّي يُحبُّني. ومَن يُـحِبُّنِي يُـحِبُّهُ أبي، وأنا أحبُّهُ وأُظهِرُ له ذاتي
قال له يهوذا، لا ذاك الإسخريوطيّ: يا ربّ، ماذا جرى حتّى تُظهِر ذاتكَ لنا، لا للعالم؟
أجاب يسوع وقال لهُ: مَن يُـحِبُّنِي يـَحْفَظُ كَلِمَتِي، وَأَبـِي يُـحِبُّهُ وَإلَيْهِ نَأْتـِي، وَعِنْدَهُ نـَجْعَلُ لَنَا مَنْزلاً
مَن لا يُحبُّني لا يحفظ كلمتي. والكلمة التي تسمعونها ليست كلمتي، بل كلمة الآب الذّي أرسَلَني
كلَّمتُكم بهذا، وأنا مُقيمٌ عندكم
لكنَّ البرقليط، الرّوح القدس، الذي سيُرسِلُهُ الآب باسمي، هو يُعلِّمكم كلّ شيء، ويذكِّركم بكلِّ ما قلتُهُ لكم
ألسَّلام أستودعكم، سلامي أعطيكم. لا كما يُعطيه العالم أنا أُعطيكم. لا يضطرب قلبُكم ولا يخَفْ
********************
إن النص يُظهر لنا مدى أهمية المحبّة في علاقتنا بالله، وفي علاقة الآب بالإبن. “فالله محبّة” يقول لنا الكتاب المقدّس. إذا كنا قد خُلقنا على صورة الله- المحبة فبالتالي نحن مخلوقون على صورة المحبة ولا نستطيع أن نعيش إلاّ بموجب هذه الصورة – المحبّة. فمن منا يتمنّى أن يبغضه الآخرين أم من منا يستطيع أن يتحمّل العيش مبغِضًا الآخر. إذ إننا بأغلبيتنا لا نعيش البغض تجاه أخينا. إلاّ إذا وجدنا سببًا يحثّنا على ذلك كالظلم مثلاً. وإن لم يكن هناك من سبب نلجأ أحيانًا إلى إيجاد سبب رغم انعدامه. فما هي هذه المحبّة؟
المحبّة هي بذل الذّات من أجل الآخر: “ما من حبّ اعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن الآخرين” فالله الآب أحبنا، فأرسل ابنه الوحيد كفّارة لخلاصنا. والابن قد أحبنا باذلاً نفسه على الصليب ذبيحة غفران ورضى لأجل خلاصنا، طاعة وحبًّا لأبيه السماوي
أمّا القدّيسة مريم أم الله وأمنا، أحبّتنا مقدّمة ابنها البكر وذاتها من خلاله لأجل خلاصنا أيضًا. بالتالي من أحبّ بذل. ومن بذل أحبّ. إذ أن الحبّ يتعارض ولا يتماشى مع الإنانية، حبّ الذات. وهذا ما يطلبه منا الربّ بقوله: “من تلقّى وصاياي وحفظها فذاك الذي يحبني”. وما حفظ الوصايا سوى ترك ورفض للإرادة الشخصية، للأهواء، للذات. حفظ الوصايا هو الطاعة وتغير الذّات هو كفر وزهد بالذّات. “من أراد أن يتبعني فليزهد بنفسه” وهذا الكلام ينطبق على شخص السيّد المسيح. فقد بذل ذاته حبًّا بنا وطاعة لله الآب، حتى إنكار الذّات
من حفظ وصايا الربّ قد أحبّه
بقول الربّ في موضع آخر من الإنجيل “إذا كنتم تحبوني، حفظتم وصاياي” يو14/15. إذًا محبّة الربّ هي بحفظ وصاياه والعمل بها. كلامه هذا واضح وبسيط ولكن متطلب وليس سهل المنال إذ يوجب نكران الإرادة والذات
هذه المحبة أي محبة الربّ هي الباب والطريق نحو نيل محبة الآب ورضاها. إذ يقول الربّ: “…والذي يحبني يحبّه الآب…” وهذا ما جاء ليحققه الربّ، و هو إيصالنا الى الآب مصدر كلّ نعم. فقد فتح أمامنا أبواب السماء بمشاهدة وجه الله
هو الطريق الوحيد والباب الأوحد الذي يوصلنا الى الآب. يقول الربّ في إنجيل متى 11/27: قد سلّمني أبي كلّ شيء. فما من أحد يعرف الإبن إلاّ الآب، ولا من أحد يعرف الآب إلاّ الإبن، …شاء الإبن أن يكشفه له
بالتالي أن ننال رضى الآب ومحبّته علينا أن نؤمن، نقبل ونحبّ الإبن. بهذه المحبّة نصبح آنية لسكنى الثالوث. إذ أن المحبّة تهيئنا لهذا الحضور
أخي العزيز، إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إنسانيته إلاّ باتباعه الربّ. أننا لا نصل الى ملء إنسانية بعيدًا عن الربّ يسوع. خلقنا على صورته ولا أحد يملء إنسانيتنا إلاّ حضوره في داخلنا. ولكي يتمكن من الولوج والسكن في داخلنا علينا أن نفسح له المجال. ووحدها المحبّة تمكننا من إفراغ ذاتنا من ذاتنا. لأنّ المحبّة هي العطاء والبذل. حبّ الآخر وليس حب الذّات. يقول لنا القدّيس يوحنا في رسالته الأولى: “إليكم الوصية التي أخذناها عنه: من أحبّ الله فليحبّ أخاه أيضًا” (يو4/21)
فلا غنى للإنسان عن المحبّة. لأن الله محبّة