وبعد الغداء، قال يسوع لسِمعانَ بطرس: “يا سمعان بْنَ يونا، أتُحبُّني أكثر من هؤلاء؟”. قال لهُ: “نعم يا ربّ، أنت تَعْلمُ أنّي أحبّك”. قال له يسوع: إرعَ حُملاني
قال له مرّةً ثانيةً: “يا سمعان بْنَ يونا، أتُحبّني؟.” قال له: “نعم يا ربّ، أنت تَعْلمُ أنّي أحبّك”. قال له يسوع: إرعَ نِعاجي
قال له مرّةً ثالثة: “يا سمعان بْنَ يونا، أتُحبّني؟”. فحزِن بطرس، لأنّ يسوع قال له ثلاث مرّات: أتُحِبُّني؟ فقال له: “يا ربّ، أنت تعلَم كلّ شيء وتعرِفُ أنّي أحبُّك”. قال له يسوع: إرعَ خرافي
ألحقَّ الحقَّ أقول لكَ: حين كنت شاباًّ، كنتَ تشدُّ حزامكَ، بيديكَ وتسيرُ إلى حيث تُريد. ولكن حين تشيخ، ستَبْسُطُ يديكَ وآخر يشدُّ لك حزامكَ، ويذهب بك إلى حيث لا تُريد
قال يسوع ذلك مُشيراً إلى الميتَة التي سيُمَجِّد بـها بطرس الله. ثمّ قال له: اتْبَعْني
********************
إنجيل اليوم، لوحة رائعة جدًّا، فيها الربّ-المحبّة، يسأل التلميذ عن محبّته. يعرف يسوع كلّ شيء، ولكنّه يريد إقرارا وإنفاذًا للكلمة، في تصرّف ورعاية وثبات حتّى الموت. حديث يبقى في صدى بحيرة طبريّة، يتردّد ويخرق الزمان، ويصل إلى كلّ مؤمن، يريد سماع صوت يسوع يهمس في أذنيه، ويسأله إتمام المهمّة الكنسيّة الموكولة إليه. حديث بحيرة طبريّة، بين يسوع الربّ الرائع والمحبّ، وبين بطرس التلميذ الطيّب والمحبّ، أمثولة، في حياتنا اليوميّة، عن الربّ العارف بكلّ واحد منّا، وعن شقاء وشقاوة كلّ واحد منّا، في مسيرته مع الربّ. هذا الحديث يضعنا في جوّ كنسيّ فريد، فيه الاهتمام برؤساء الكنيسة، وفيه مهمّة كلّ مؤمن في الكنيسة
الله عارف بكلّ شيء
بطرس الذي يسمع أسئلة الربّ ويجيب، بطرس الذي يجيب على خلفيّة ما حدث معه سابقًا، بطرس الذي يعرف أنّه يحبّ الربّ، هو مثال لكلّ مؤمن يحبّ الربّ يسوع، ويريد العيش في دفء الحنان الإلهيّ. فالنكران كان حليف بطرس الذي يحبّ يسوع. وكان الندم الكبير. وكانت العودة، لأنّ يسوع يستقبل العائد، ولأنّه بكلّ شيء عليم
عظيم الله وعظيمة محبّته لأنّه هو المحبّة. عظيمة وعجيبة قصّته مع الإنسان، منذ الخلق. هذه القصّة هي قصّة أمانة من قبله تجاه الإنسان، وقصّة قلّة أمانة، أو عدم أمانة، من قبل الإنسان تجاه الله. ويصرّ الله على محبّته، فهو عارف بكلّ شيء. هذا ما يعترف به بطرس. فهو يجيب في المرتين الأوليين قائلاً ليسوع: “أنت تعلم أنّي أحبّك”. ويزيد في المرّة الثالثة: “أنت تعرف كلّ شيء وتعلم أنّي أحبّك”. وكأنّ رأس الرسل هو الطفل الذي يتوجّه إلى أبيه قائلاً: أنت تعرف أننّي أحبّك، حتّى ولو لم تسمح لي طفولتي، بضعفها وشقاوتها، أن أتمّم ما تريده وما هو خير لي. أنت تعرف كلّ شيء، وأنت تعلم أنّي أحبّك
المسؤولون في الكنيسة
إنجيل اليوم هو، بنوع من الأنواع، شرعة لكلّ مسؤول في كنيسة الربّ. يتوجّه بالطبع أولاً إلى الرعاة المسؤولين في الهرميّة الكنسيّة، كلّ وفق إيمانه الكنسيّ، فيدعو كلّ مسؤول إلى المحبّة، محبّة الربّ ومحبّة قطيع الربّ. فالمسؤوليّة الكنسيّة، مبنيّة على محبّة الربّ، وعلى اتّباعه، والثبات في الخدمة، مهما عنى ذلك من تعب وتضحية. هنا تذكير لكلّ مسؤول بجسامة المهمّة، لأنّ الربّ يقيمه على أغلى ما عنده، على القطيع. ومثال كلّ مسؤول، هو بالطبع يسوع، الراعي الصالح، الذي يبذل النفس عن الخراف. لكنّ النصّ لا يقتصر على المسؤولين في الهرميّة الكنسيّة، بل يعني كلّ مؤمن وذلك من ناحيتين. فالناحية الأولى هي معرفة كلّ مؤمن، أنّ الربّ شاء تسليم مهمّة الرعاية في الكنيسة إلى بطرس، والذين من بعده، منفردين أو مجتمعين. فاحترامًا لإرادة الربّ، يجب على كلّ مؤمن أن يعضد الرعاة في كلّ عمل خيّر، عالمًا أنّه بذلك يتمّم إرادة يسوع، ويساهم في نموّ الكنيسة وتماسكها وشهادتها. وتكون المساعدة بالصلاة على نيّة الرعاة، وبتقديم الدعم المعنوي والعملي لهم. أمّا الناحية الثانية فهي أنّ هذا النصّ يعني كلّ مؤمن، من حيث أنّه مسؤول في الكنيسة، بنوع من الأنواع. أي أنّه راعٍ، باسم يسوع، تجاه الآخرين وتجاه الكنيسة. فالربّ يحمّل كلّ إنسان مسؤوليّة في كنيسته: الأب والأم في العائلة تجاه بعضهما وتجاه الأولاد وتجاه الأقارب والمجتمع؛ العامل، كلّ في حقله، طبيبًا أو مهندسًا أو موظفًا وكائنًا من كان.
خاتمة
أنتَ تعرف كلّ شيء وتعلم أنّي أحبّك”، عساها تكون صرخة يتوجّه بها كلّ واحد منّا إلى الربّ، فيؤكّد له حبّه ويطلب المغفرة ويتحمّل المسؤوليّة الملقاة على عاتقه في الكنيسة