في الغدِ رأى يوحنّا يسوع مُقبلاً إليه فقال: ها هو حملُ الله الذي يرفعُ خطيئة العالم
هذا هو الذي قلتُ فيه: يأتي ورائي رجُلٌ قد صار قدّامي، لأنّهُ كان قبلي
وأنا ما كنتُ أعرفهُ، لكنّي جئتُ أعمِّدُ بالماء لكي يظهرَ هو لإسرائيل
وشَهِدَ يوحنّا قائلاً: رأيتُ الرّوحَ نازلاً كحمامةٍ منَ السّماءِ، ثمَّ استَقرَّ عَلَيْه
وأنا ما كنتُ أعرفهُ، لكنَّ الذي أرسلني أُعمِّدُ بالماء هو قال لي: مَن ترى الرّوح ينزلُ ويستقرُّ عليه، هو الذّي يُعمِّدُ بالرّوح القدس
وأنا رأيتُ وشهدتُ أنّ هذا هو ابنُ الله
***********
إطار نصّ إنجيل الأحد الأوّل بعد الدنح: يصرّح يوحنّا المعمدان ويشهد لليهود بأنّه ليس المسيح، ولا إيليّا، ولا النّبيّ. “إنّه الصوت الصارخ يقوّم طريق الرّبّ كما قال آشعيا” (40/3)؛ مهمّته أن يعمّد بمعموديّة توبة جديدة، لها طابع مسيحانيّ نهيويّ، تهيّىء المؤمنين المعتمدين مباشرة، ليكونوا الجماعة المسيحانيّة الجديدة للمسيح الآتي، موعود الأنبياء والعهد القديم. لذلك بعد هذه الشّهادة، أي في الغد، جاء يسوع بعدما عاش في النّاصرة حياة خفيّة حتّى الثلاثين من عمره، يعلن ليوحنّا سرّه المسيحانيّ كحدث مصيريّ في تاريخ الخلاص
فالمسيح هو “حمل الله”، وهذا لقبه الّذي يرد في الكتاب المقدس، بثلاثة معانٍ: الأوّل هو الحمل القويّ المنتصر (رؤ5/6؛ 7/17؛ 17/14)، والنص أعلاه يرجّح هذا المعنى. والثاني هو الحمل الوديع، عبد الله المتألم في نشيد آشعيا (53/7؛ قارن برسل 8/31/35). وهناك شرح إضافي للمعنى الثاني يشير إلى موت يسوع التكفيري، بدمج صورتين تقليديتين: من جهة صورة العبد المتألم (آش52/13-53/12) الّذي يأخذ على عاتقه خطايا جماعة النّاس والّذي، مع أنّه بريء، يقرّب نفسه تقدمة حمل، ومن جهة آخرى صورة حمل الفصح، رمز نداء إسرائيل
(خر12/1-28؛ 19/14 و36؛ 1قور5/7؛ رؤ5/7و12). والثّالث قريب من الثاني، حمل الفصح الذبيح الفادي (خر12/128؛ قارن بيوحنّا 19/14، 29، 36؛ 1قور5/7؛ 1بط1/19-20). نعم يسوع رفع خطيئة العالم وحملها، إذ شفى المرضى، وأزال عن شعبه الآلام الّتي كان التقليد اليهوديّ يعتبرها نتيجة الخطيئة، وفي الوقت عينه، حمل هو نفسه تلك الآلام عن شعبه بموته على الصليب
شهادة المعمدان صادقة كلّ الصدق، كونه أقرّ بأنّ المسيح الآتي وراءه كان قبله، وهذا ما يؤكّده أيضًا الإنجيليّ يوحنّا “في البدء كانت الكلمة” (يو1/1). وأكدّه يسوع نفسه بقوله: “أنّي كائن قبل أن كان إبراهيم” يو8/58
فضل معموديّة يوحنّا تكمن في: اعتلان سرّ المسيح. أي ظهوره وتثبيته في تاريخ الخلاص. وما نزول الرّوح القدس واستقراره على يسوع، إلاّ علامة مميّزة من الله ليوحنّا ليعرف المسيح الآتي، وبالتالي يسوع يعمّد بالرّوح القدس. إنّه مشهد يتفردّ به الإنجيليّ يوحنّا دون أن يصف لنا مشهد العماد
فمعموديّة يسوع بالرّوح القدس تحدّد عمله الخاصّ، على ما ورد في الكتاب، وهو أن يخلق البشّرية بالروح القدس، ويجدّدها، لأنّ الرّوح قد نزل عليه وحده واستقرّ (آش11/2؛ 42/1). قام يسوع من الموت ممجّدًا (يو7/39؛ 16/7-8؛ 20/22؛ رسل2)، فأصبح جسده ينبوع حياة يفيض منه الرّوح القدس على العالم (7/37-39؛ 19/34؛ روم5/5)، ويفيض عن طريق العماد. وهذا أحد الموضوعات الأساسية في إنجيل يوحنّا
من هذا المنطلق الأساسي، وضعت اللجنة الليتورجية هذا النص (يو1/29-34) في الأحد الأوّل بعد الدنح. وستكمّله (يو1/35-42) في الأحد الثاني بعد الدنح، دلالة وتأكيدًا على أنّ المسيح هو حمل الله أي المشيحا المنتظر، حجر الزّاوية، وصخرة الخلاص لمن يؤمن به