منذ عشرين قرنًا، ما زال الفرح المسيحي يتدفّق في الكنيسة وخاصّةً في قلوب القدّيسين… وفي المقام الأوّل، تأتي العذراء مريم، الممتلئة نعمة، أمّ المخلِّص. لأنّها رحّبت بالإعلان الإلهي، وكانت أمة الربّ، وعروس الروح القدس ووالدة الإبن الأزلي، لقد جعلت فرحها يشعّ أمام قريبتها أليصبات، وعبّرت عن إيمانها قائلة: تُعَظِّمُ نَفسِيَ الرَّبّ، وتَبْتَهِجُ رُوحِي بِٱللهِ مُخَلِّصِي… فَهَا مُنْذُ الآنَ تُطَوِّبُنِي جَمِيعُ الأَجْيَال
فقد أدركت مريم، ما لم يدركه أيّ مخلوق، أنّ الله يصنع أمورًا عظيمة: اسمه قدّوس، ويُظهر رحمته، ويرفع الوضعاء ويبقى أمينًا لوعوده. عاشت مريم حياةً لا تختلف في الظاهر عن الحياة العاديّة، غير أنّها “كانَت تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور (التي كانت تحدث مع الطفل يسوع) وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها” (لو2: 19). كما وأنّ الآلام لم توفّرها: فنجدها على أقدام الصليب، تشارك المخلِّص البريء آلامه، فاستحقّت لقب أمّ الأوجاع. على أنّها منفتحة أيضًا على فرح القيامة انفتاحًا لا حدود له. فقد انتقلت، بدورها، جسدًا وروحًا إلى مجد السماء. هي أولّ المُخلَّصين، وقد حُبِل بها بلا دنس منذ تكوينها في أحشاء أمِّها، وهي مسكن لا مثيل له للروح القدس والمسكن الأطهر لفادي البشر، هي في الوقت ذاته، ابنة الله الحبيبة وأمّ الكون في المسيح. إنّها الرمز الأكمل للكنيسة الأرضيّة والممجّدة