إن لوقا يُرينا لماذا كتب هذا الإنجيل. فبعد عدّة محاولات لكتابة ما قام به المسيح من أناس غير ممتلئين من الروح القدس، حاولوا الكتابة وهذه الكتابات لم تعترف بها الكنيسة عندها، لأنّها عمل البشر وليس بإلهامٍ مِن الروح القدس كما حدث مع الإنجليين الأربعة. ايضاً يريد لوقا بناء المؤمنين على اثاثٍ ثابت، وليس على اقاويل واخبار عن العجائب فقط، فالأساس هو المسيح وما علّمنا ايّاه. وإن لوقا يسمّي ما يكتبه بالوديعة وليس بأخبار متنقلة، ويسلمها “كَمَا سَلَّمَها إِلَيْنَا مَنْ كَانُوا مُنْذُ البَدْءِ شُهُودَ عِيَانٍ لِلْكَلِمَة” (2). وهم عرفوا المسيح أنّه إبن الله والمخلّص، على عكس اليهود الذين لم يرَوه إلاَّ حسب الجسد، ليس كما فعل إبراهيم الذي عرف الله رغم أنّه لم يراه جسديّاً. وإن لوقا يبعث هذا الإنجيل الى “تيوفيل”، فهذه الكلمة تعني المحبّ لله، اي أن هذا الإنجيل ليس محصورا بشخصه هو، بل بكل مُحبٍ لله.
يقول النص أن زكريا واليصابات كانا بارَّين امام الله، اي أن هؤلاء هم المؤمنون الصالحين، فتبريرهم من الله فاحص القلوب، امّا الذي يتّبع المظاهر يعتبر نفسه باراً امام الناس لكن ليس امام الله. إذاً الله هو الذي يبرر الإنسان وليس احد غيره، وعلينا أن نسير سيرة التوبة كي نتبرر.
كان زكريا مِن فرقة “ابيّا” ومعناها “أن أبي هو يهوى” اي الله. فكانوا يلقون القرعة، اي ان الله هو الذي يختار خدّامه. وظهر ملاك الربّ له، ومعنى هذا أن زكريا اصبح نقيّاً ومستحق أن يرى ملاك الربّ، كما يقول المسيح في متى 5/8 : ” طُوبى لأَنْقِيَاءِ القُلُوب، لأَنَّهُم سَيُعَايِنُونَ الله”، وعلينا نحن أيضاً أن نكون مثل زكريا أي اطهاراً كي نرى الله، أولاً في قلبنا وبعد الموت سنراه امامنا. فالملاك يقول لزكريا “لا تخف” كما قال ذلك للرعاة (لوقا 2/10)، وللمريمات امام القبر (متى 28/5)، فليس على زكريا أن يخاف لأنّ هذه البشارة ستفرّحه، كما ستفرح المسكونة كلها (14). فالله يذكرنا دائماً هذا معنى إسم “زكريا”، ولكن علينا أن نعلم أن طرق الربّ مغايرة لطرقنا، فالله يعطينا كل شيء في وقته وأكثر مما نستحق وفوق الطبيعة البشريّة لأنّه رحوم وهذا معنى إسم “يوحنا”. ويقول الملاك ” يَفْرَحُ بِمَوْلِدِهِ كَثِيرُون” (14)، أي أن طريق القداسة هي فرح للجميع وليس فقط للشخص نفسه ولوالديه بل للجميع. وهكذا نحن إن كانت حياتنا قداسة فنسطع في حياة الأخرين ايضاً. وتكون حياة يوحنا كنذير للربّ، وهو إذا حرم نفسه مِن ملذّات هذه الدنيا، لكنّ فرحه يبدأ عند زيارة مريم وامتلائه من الروح القدس، فاسمه مكتوب في السماء