تبدأ السنة الطقسية في الأحد الأوّل من تشرين الثاني بعيد الكنيسة. وقد اختارت الكنيسة المارونيّة نصّاً من انجيل متى وهو نص اعلان ايمان بطرس بالمسيح، “انت هو المسيح إبن الله الحيّ”. هذا يعني أن الكنيسة عليها اوّلاً، افراداً وجماعات، أن تعلن ايمانها بالمسيح، هو الفعل الأوّل المكوّن للكنيسة، بدونه لا تقوم الكنيسة. ومن هنا أيضاً نفهم قول المسيح لبطرس ” أَنْتَ هُوَ الصَّخْرَة، وعلى هذِهِ الصَّخْرَةِ سَأَبْنِي بِيْعَتِي، وأَبْوَابُ الجَحِيْمِ لَنْ تَقْوى عَلَيْها”، اي أن بطرس هو صخرة في الإيمان، وإيماننا اليوم مبنيٌّ على إيمان بطرس وإيمان الرسل، نحن لم نعاين المسيح، ولم نعايشه خلال مدّة حياته التاريخيّة على الأرض، لكننا نعيش الإيمان على ما تناقله أبناء الكنيسة منذ الرسل حتّى يومنا. ومن هنا درج قولٌ في الكنيسة المارونية لإثبات صحّة إيمانها عبر التاريخ يقول : “إيماني إيمان بطرس، وإيمان بطرس إيماني”.
وإذا ما نظرنا بعمقٍ الى هذا النصّ، يبدو لنا أنّ شخصيّة يسوع المسيح قد أربكت المجتمع اليهوديّ فراح الناس يتسألون ويتسامرون حول هذه الشخصيّة، فالبعض اعتبره يوحنا المعمدان، أو إيليا أو إرميا أو أحد الأنبياء، والنبيّ هو حامل كلمة الله ومعلن طريق الخلاص. فآراء الناس بشخص يسوع المسيح إقتصرت على الشكل الخارجيّ، ولم تدخل إلى العمق، أي أنها لم تعلن إيمانها بيسوع المسيح إبن الله المتجسد الآتي لخلاص البشريّة جمعاء.
وكما نجد أن هذا النص يحاكينا في واقعنا اليوميّ، فكم مِن اديان وجماعات وافراد تعتبر المسيح مصلحاً اجتماعياً، ورئيس حزبٍ، وحتىّ نبيّ (الإسلام)، لكنها تنفي عنه صفة الألوهة لا تعترف انه إبن الله، لأنها لم تتجاوب وتتكيّف مع الروح القدس الفاعل في النفوس والمثبّت عمل المسيح الخلاصيّ في كل إنسان.
ونتسائل ما هو الرابط بين هذا النصّ، وأحد تقديس البيعة. إنّ كلمة تقديس تعني كلّ ما هو خاصّة الله لأنّه القدّوس، والكنيسة بكونها قد أعلنت ايمانها بالمسيح، أصبحت خاصته حُكماً. وبهذا الفعل تكون قد انفصلت عن حياةٍ سابقة بعيدة عن الله (تغيير الإسم)، وانتمت الى عالم الأُلوهة، أي العالم البعيد عن الخطيئة. فنقول أن الله هو القدّوس، أي البعيد عن الخطيئة والدنس، ففعل التقديس هو فعل الولادة الجديدة بالروح القدس.
وهكذا بعد أن تتقدّس الكنيسة، أي أنها تعلن ايمانها بالمسيح، وبكونها جماعة بشرية، فهي معرّضة دائماً للخطيئة والضعف، لذلك فهي مدعوّةٌ دوماً للتجدد بالروح القدس، ولهذا نتجدد وتتجدد البيعة دائماً. أي كون الإنسان ضعيف في سعيه إلى ألله ليس عليه إلاّ الإتكال على نعمته عائشاً في حالة توبة دائمة