أمّا ميلاد يسوع المسيح فكان هكذا: لمّا كانت أمّه مريم مخطوبةً ليوسف، وقبل أن يسْكنا معًا، وُجدتْ حاملاً من الرّوح القدس
ولمّا كان يوسف رجُلها بارًّا، ولا يُريد أن يُشهِّر بها، قرَّر أن يُطلِّقها سِرًّا
وما أن فكَّر في هذا حتى تراءى له ملاك الربّ في الحُلم قائلاً: يا يوسف بنَ داود، لا تخَفْ أن تأخذ مريم امرأتكَ، فالمولود فيها إنّما هو من الرّوح القدس
وسوفَ تلِدُ ابنًا، فسمِّهِ يسوع، لأنّه هو الذّي يُخلِّص شعبهُ من خطاياهم
وحدثَ هذا كلُّهُ ليتِمَّ ما قاله الربّ بالنبيّ
“ها إنّ العذراء تحملُ وتلِدُ ابنًا، ويُدعى اسمهُ عمّانوئيل، أي الله معنا
ولمّا قام يوسفُ من النّوم، فَعلَ كما أمرهُ ملاك الربّ وأخذَ امرأتهُ
ولم يعرفها، فولدتْ ابنًا، وسمّاه يسوع
*************
إنّ هدف متّى الإنجيلي من كتابته لهذا النص، هو أن يروي لنا ميلاد يسوع المسيح، حيث يبدأ: أمّا ميلاد يسوع المسيح فكان هكذا
فأحد البيان ليوسف إذًا، يأتي في خدمة رواية ميلاد يسوع المسيح
أفكار كثيرة وردت في إنجيل اليوم وبالأخصّ عندما نستغرق ونتأمّل بقدّيس عظيم في الكنيسة مثل مار يوسف البارّ. سأختصر هذا التأمل حول نصّ الإنجيل، في كيفيّة تطبيقه بحياتنا اليوميّة والمسيحيّة
إخوتي، يُعرف الإنسان الكبير عند المحنة. ألموقف الإنساني والإيماني والأخلاقي يتجلّى من ردّة فعل تجاه الآخر، سلبيّة كانت أم إجابيّة. حبّذا لو تصرّفنا مثل مار يوسف من دون تسرّع وألاّ نحكم وندين غيرنا بطريقة عشوائيّة وغير واقعية. نحن البشر نحكم على الشيء الذي نراه، أمّا الله فيحكم على ما لا نراه. لذلك يبقى حكمنا ناقصًا. إنّ الكتاب المقدّس يقول: “كثيرون سقطوا بحدّ السيف لكنهم ليسوا كالساقطين بحدّ اللّسان”. فإنّ اللّسان يقتل المعنويات والكرامات قتلاً، يشوّه صورة الله في الآخر المعتدى عليه وهذا كلّه باسم الكرامات، بحيث يعطى العنان له فيجرّح ويهمّش ويؤذي كما يحلو له وكأنّ كرامة الآخر التي هي من كرامة الله بالذات أصبحت موضوع تسلية وأحاديث فارغة وكأنّ شيئًا لم يحدث. فمن شرّع لكَ أم لكِ هل هو الله أم الضمير؟ حتى ولو كان الحق معنا، يجب علينا ضميريًّا ودائمًا أن نفتّش عن حلول عديدة تحفظ كرامة الآخرين وتعطي مجالاً لجلاء الحقيقة، أو علينا أن نلتزم الصمت المقرون بالصلاة والغفران والاستسلام لله
فيا إخوتي، ألمنطق البشريّ وحده لا يكفي حتّى نعرف كيف نبني أحكامنا نحو الآخر خصوصًا بأقوال تجرح وتتنافى مع وصيّة المحبّة المسيحيّة. فمن أخطر العلاقات بين البشر هو الشك وسوء الظن بالآخر. كم مرة نحكم على بعضنا البعض دون أن نتفهّم وضع الآخر وحالته فنشهّر بسمعتة، وأكثر الأوقات دون أن نتلّمس أيّ شيء يُثبت ذلك كليًّا. فهَذا الإِنجيل يَضَعُنا أَمامَ ذواتنا وضميرنا: ما هُوَ دَورُ اللهِ في قراراتي الشَخصِيَّة؟ هَل أَترُكُ لَهُ دَورًا؟ كيف؟ وبأية ثقة؟ بَعضُنا لا يَترُكُ هذا الدور لله، فتأتي قراراتُهُ كُلُّها وَليدَةَ تحمّسه الغير المسؤول والتَوَصُّلِ إلى مخالِفَةِ الضَّميرِ والقيم، فيتبيّن لاحقاً أنّه قد أخطأ بحقّ غيره نتيجة هذا التحمّس. فنحن بحاجة إلى الهدوء والتفكير بحكمة ومحبّة حتّى يمدّنا الله بالعون والنور. فيا ليتنا نعامل بعضنا البعض كما يعاملنا الربّ برحمته حتّى ولو أخطانا. ومهما كانت الخطايا والخيانات، يبقى منطق المحبّة والغفران هو جواب للتخطّي وقبول الآخر. فلا ننسى قول المسيح الشهير “من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” فكلّ إنسان بحاجة إلى رحمة الرب. فلنرحم بعضنا البعض. ولنكن أبرارًا على مثال مار يوسف