ولمّا انقضى السَّبت، اشترتْ مريم المجدليّة، ومريم أمُّ يعقوب، وسالومة، طيوبًا ليأتينَ ويُطيِّبْنَ جسد يسوع
وفي يوم الأحد باكرًا جدًّا، أتينَ إلى القبر مع طلوع الشَّمس
وكنَّ يقُلنَ فيما بينهنَّ: مَن يُدحرجُ لنا الحجرَ عن باب القبر؟
وتفرَّسنَ فشاهدنَ الحجرَ قد دُحرِج، وكان كبيرًا جدًّا
ودخلنَ القبر، فرأينَ شابًّا جالسًا عن اليمين، متوشِّحًا حُلّةً بيضاء، فانذهلنَ
فقال لهنَّ: لا تنذهلنَ! أنتنَّ تطلبنَ يسوع النّاصريّ المصلوب. إنّهُ قام، وهو ليس هنا. وها هو المكان الذّي وضعوه فيه
ألا اذهبنَ وقُلنَ لتلاميذه ولِبُطرس: إنّهُ يسبقكم إلى الجليل. وهناك ترونَهُ، كما قال لكم
فخرجنَ من القبر وهربنَ من شدّة الرِّعدة والذّهول. ومن خوفهنَّ لم يقُلنَ لأحدٍ شيئًا
***********************
حين يُقرأ هذا النصّ من إنجيل مرقس في الكنيسة، نكون في عيد القيامة، عيد، يظهر لنا كيف أنّ الله يتدخّل في التاريخ، عيد، يجعل حضور الربّ معنا دائمًا، عيد يحوّل حياتنا في يوميّاتها وفي نهايتها.ونروح نتعلّق بفكرة القيامة، فتتّجه أفكارنا إلى الربّ. نعلم أنّنا، من عنده، نطبع حياتنا العابرة بأزليّة ترافقها بدءًا من هذه الأرض، بدءًا من كلّ هنيهة في يوميّاتنا. تأمّلنا يتمحور حول حقيقة القيامة وحول عيشها في يوميّاتنا
حقيقة القيامة، نعلنها مع المؤمنين في الجماعات المسيحيّة الأولى، ومع كتّاب العهد الجديد الملهمين الذين عبّروا عن إيمان هذه الجماعات. نصرخ ونعترف بأنّ الربّ حقًّا تألّم وحقًّا صُلِب وحقًّا مات… وحقًّا قام. بذلك انتصر يسوع الربّ المسيح المخلّص على الموت، وعلّمنا أنّه أقوى من الموت، ومن أيّ شكلٍ من أشكاله
إيمان الكنيسة، عبر الأجيال، عاد إلى اختبار الجماعات المسيحيّة الأولى، إلى اختبار تلك النّسوة اللواتي عرفنَ عن حقّ أنّ المسيح تالّم وصلب ومات وقام. حقيقة، غيّرت وجه التاريخ ووجه البشريّة. حقيقة إيمانيّة موضوعيّة، يتيقّن كلّ مؤمن صحّتها ويعلم، أنّه بإيمانه هذا، ينضمّ إلى قوافل الأجيال السابقة والحالية واللاحقة التي تعترف بالمسيح الربّ المصلوب والمائت والقائم من القبر.
إنّه إيمان يعترف بقدرة الله، إله الأحياء. هذه القدرة التي برهن عنها الربّ في التاريخ منذ الصفحة الأولى التي نعرفها، أي منذ الخلق والتكوين. حدث القيامة يؤكّد مسيرة ابتدأت، منذ الخلق، وتتواصل حتى نهاية الأزمنة. إنّها مسيرة الله الذي يتدخّل في التاريخ، وفق حكمته ومشيئته، كاشفًا عن محبّته وعن تحويله لتاريخ البشر، متى ارتأى “أنّ ذلك حسن”
من تجارب المؤمن الكبيرة، أن يستعذب التفكير في أموره الإيمانيّة أو التكلّم عنها، من دون أن يجسّد بُعدها الحياتي الحقيقيّ. فكلّ حقيقة إيمانيّة موضوعيّة، أي قائمة بحدّ ذاتها، هي على علاقة عضويّة وثيقة بحياة المؤمن. وحقيقة القيامة هي أيضًا كذلك. قام الربّ يسوع من بين الأموات، وانتصر على الموت، وعلّمنا بذلك أنّ لا سلطة للموت علينا. بل نحن أبناء الحياة. كلّ منّا يستطيع أن يسأل ذاته، كم مرّة عاش هذه الحقيقة، حقيقة أنّ لا شيء ولا أحد في هذه الدنيا يستطيع أن يغلب المؤمن الحقيقيّ، لأنّه على الربّ متّكل فلا شيء يقوى عليه. يريد الربّ يسوع منّا أن نعيش قيامته بكلّ أبعادها، يريد ان نجعلها خاصّتنا وذلك بالاتّحاد به
يتابع المؤمن، بجهادٍ يوميّ فرِحٍ، التزامه بالحالة التي اعتنقها، كزوج أو زوجة أو أب أو أم أو راهب او راهبة أو كاهن أو عامل أو أيّ حالة وجد فيها. سوف يعلم أنّ الربّ يبارك الجهاد والمثابرة في الحياة. المؤمن الحقيقيّ هو من يعلم أنّ حياة الإنسان محدودة وممزوجة بالصليب، وأنّ نقص الفرح متأت من محدوديّة الإنسان والكون والحياة على الأرض. لكنّه يعرف أنّ الظلم والتعسّف والصعوبة والمحنة، ليست لها الكلمة النهائيّة في الحياة، بل إنّ القيامة والمجد مع المسيح، هما الحالة التي يعيشها المؤمن. المؤمن، هو من يعلم كيفيّة المساهمة في إنماء حضارة الحياة أو حضارة القيامة حيثما وجد، في ذاته أولا، ثم في الآخرين. لا أحد ولا شيء في هذه الدنيا، يقوى على مؤمن تسلّح بالاتّحاد بالربّ. هذا هو العيش في القيامة. هذا هو تجسيد حقيقة القيامة في الحياة اليوميّة، لكي يعيشها الإنسان في الحياة ما بعد الموت الجسديّ