تكلّم يسوعُ في خطابِه الأخير في إنجيل متّى، عن حقائقَ إيمانيّة بأسلوب أدب رؤيوي يصفُ الأحداثَ الأخيرةَ بلغةٍ صُوَريّة مأخوذة من العهد القديم مصدرها الأدب الكتابي النهيوي والأدب اليهودي. يريدُ يسوع بذلك الدلالةَ على عظمةِ وهَوْل ما سوف يحدثُ في نهايةِ الأزمنة. ألأفكارُ في نصِّ إنجيلِ اليومِ كثيرةٌ، لذا سوف ننتقي فكرتين ونتوقّف عندهما للتأمّل: “ولكثرة الإثمِ تفتُرُ محبّةُ الكثيرين”. “ومَن يصبُر إلى النهاية يَخلُص”.
“ولِكَثْرَةِ الإِثمِ تَفْتُرُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِين”: تعرَّض المؤمنون بالمسيح، منذُ القرونِ الأولى حتّى يومنا هذا، للاضطهاداتِ والتعذيبِ وصنعِ الشرِّ ضدّهم … يريدُ يسوع في إنجيل اليوم، أن نضعَ حدًّا للحروبِ والاضطهاداتِ والمِحَنِ والانقساماتِ والبغضِ والشرِّ، لندخلَ عالمَ الملكوتِ، عالمَ الرحمةِ والمحبّةِ والطهارةِ وعيشِ القداسة. لذلك يدعونا إلى عيشِ ونَشر حياةِ الله في نفوسِنا وفي الآخرينَ بدلاً من الغَرق في القلقِ والبلبلةِ والانجرارِ وراءَ الشرِّ ومغرياتِه التي هي الخطيئةُ بحدِّ ذاتها، حيثُ تُحدِثُ فُتورًا في قلوبِنا بسببِ كثرتِها وإغراءاتِها الدنيويّةِ التي ممكن أن نقبلَها في حياتنا. لذلك يجبُ دائمًا التسلّح بكلامِ الإنجيلِ والتأمّل فيه والعيش بمبادئِه والثقة والإيمان المطلق به لأنّه كلامُ اللهِ الذي يكلّمُنا دومًا، فهو وحدُه يقينا ويساعدُنا على الصمودِ بوجهِ الشرِّ الجارفِ في جميعِ أبعادهِ، ويَقينا من بَثِّ الشكِّ والقلقِ في نفوسنا الضعيفةِ والانجرارِ وراءَ التضليلِ والأكاذيبِ التي تحيطُ بنا لكي نتركَ مبادئَنا وإيمانَنا ومحبّتَنا. فلنعي إنطلاقاً من كلام الرب ،كي لا تدخلُ إلى قلوبِنا وأفكارِنا روحُ الغشِّ والكذبِ وروحُ الخطيئةِ وروحُ الفتورِ التي تدّمرُ نفوسَنا وتبعدُنا عن محبّةِ اللهِ ومحبّةِ الآخرين.
“ومَن يصبُر إلى النهايةِ يَخلُص”: ألثباتُ إلى النهايةِ بوجهِ كلِّ ما يبعدُنا عن اللهِ في هذه الحياة، إن كان من صعوباتٍ وتجاربَ وأمراضٍ واضطهاداتٍ ومغرياتٍ، هو الشرطُ الأساسيُّ للخلاص. نحنُ نؤمنُ بأنّ كلَّ مسيحيٍّ أحبَّ المسيحَ من كلِّ قلبِه، لا يمكنُ إلاّ أن يصبُرَ إلى النهاية. لأنّ عيشَ المحبّةِ أقوى من الموت وأقوى من أيِّ قوّةٍ قادرةٍ أن تفصِلَنا عن المسيحِ، لأنّه بهذا المبدإ عاشَ يسوعُ وغَلَبَ قوّةَ الجحيمِ بقوّةِ محبّتِه لأبيه ولكلِّ فردٍ منّا. لذا نحنُ نغلبُ وننتصرُ ونصبرُ بمساعدةِ بالّذي أحبَّنا حتّى الموت. ألمحبّةُ يا إخوتي لا يمكنُ أن تسقطَ لأنّها من اللهِ وهي حضورُ اللهِ في قلوبِنا وفي حياتِنا. فلنعتصِم بها دائمًا
إنّ هذا الإنجيل يجبُ أن يعنينا نحنُ اليومَ بشكلٍ مباشرٍ. فالكنسيةُ وبالأخصّ في زمنِ الصليبِ، تضعُ هذا النصّ أمامَ أعينِنا وأمامَ ضمائِرنا للتأمّل فيه بعمق. فعلى نورِه نتذكّرُ ونَعي بأنّ هذه الحياة التي نعيشُها لها نهاية. وكلُّ واحدٍ منّا سيُدان في نهاية حياتِه الأرضيّة. ويدعونا الإنجيلُ أيضًا إلى الإيمان بالحياةِ الثانية، والسعي الدؤوب لاكتسابها.
فليكُن يا ربُّ كلامَك نورًا لنا وقوّةً وعضدًا وسبيلاً إليكَ بوجهِ كلِّ الانقسامات والبغضِ والتخريبِ على جميعِ المستوياتِ وخصوصًا على مستوى الوضعِ المسيحيّ في هذا البلدِ الذي نعاني فيه الكثيرَ من الانقساماتِ بسبب بعدِنا عنكَ وعدم أمانتِنا لشريعةِ المحبّةِ التي أوصيتَنا بها وعدم الإصغاءِ إلى إنجيلِكَ فقط الذي هو وحده القادرُ أن يُوحِّدَ قلوبَنا ويجمعَها في وحدةِ وشركةِ الروحِ القدس، آمين