إن كلمة دنح هي لفظة سريانيّة وتعني الظهور والشروق والإعتلان، وهذا ما يشرحه لنا هذا النص، وهو اوّل اعلان للمسيح واوّل ظهور للثالوث. فها يوحنا يشهد انّه المسيح، والسماء تنفتح والروح القدس ينزل ويُسمع صوت الآب : “أَنْتَ هُوَ ابْنِي الحَبِيب، بِكَ رَضِيت”.
ثانياً: علينا النظر الى أن المسيح قد قدّس العماد وأوصى به. وهذا العماد هو من يمنح كل شخص حقّ الدخول الى الكنسية. من هنا العماد هو الإستعداد للدخول الى الكنيسة أي جسد المسيح السريّ. لذا علينا الإستعداد الى هذا الحدث كما صنع يوحنا، اراد أن يهيئ الشعب لقبول المسيح. ونحن كذلك فقد نلنا سرّ العماد ونحن في عمر صغير، ولكن علينا الإستعداد والبحث كي نفهم هذا السرّ اكثر واكثر كلما اصبح لدينا الإمكانيات، وعلينا ان نزيد على خبرتنا كل ما نفهمه ونختبره كل عام. وإلاّ سنبقى كاليهود وخاصة الفريسيّن الذين كانوا يهتمّوا بالمظاهر والشريعة اكثر من الله والإنسان، فالمسيحيّة ليست بمظاهر واشكال وزينة، انما هي عيش المسيح الذي نحتفل بظهوره لنا كي نسير بوفق ما علّمنا ايّاه في الإنجيل. فقد قال يوحنا عن المسيح هنا :” في يَدِهِ الـمِذْرَى يُنَقِّي بِهَا بَيْدَرَهُ، فيَجْمَعُ القَمْحَ في أَهْرَائِهِ، وأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأ”، دلالة على يوم الدينونة، فمن كان فارغاً سينال جزائه، ولن يكون عن يمين الله.
ثالثاً: وبالعودة الى النص الإنجيليّ، فقد بدأ الناس يشكّون ان يوحنا هو المسيح، لكن يوحنا قال لهم الحقيقة، فهو “الصوت” وليس “الكلمة”، إنه “السراج” وليس “الشمس”، فهو لم يستغل الظرف ليشهر نفسه ، ويطمع بما كان يستطيع الحصول عليه على ارضنا. إنما قال الحق ولا شيء غير الحق : “ويَأْتي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، مَنْ لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ”، فهو ليس له أن يشبّه بالمسيح، من هنا نرى بعض الكرامات لخدّام الكلمة تكاد تكون اكبر مما نقدّمه للمسيح.
رابعاً: قال يوحنا انّه يعمّدكم بالماء، فالماء تطهّر الجسد وهي رمز للتوبة، امّا الروح القدس فهو يطهّر الروح من الخطيئة، إذا هنا اكتملت المعموديّة واعطاها المسيح المعنى الكامل والخلاصيّ. “النار” هو الروح القدس نفسه الذي حلّ على الرسل في العليّة، والنار ايضاً ترمز الى التطهير، فالصايغ ينقيّ المعادن في النار، إذاً النار رمز للتطهير كالماء.
خامساً: مَن كان ممتلأً من الله لا يخاف احد ويبشّر الجميع، ويقول لوقا الإنجيليّ عن يوحنا : ” وبِأَقْوَالٍ أُخْرَى كَثيرَةٍ كانَ يُوحَنَّا يَعِظُ الشَّعْبَ ويُبَشِّرُهُم. لكِنَّ هِيرُودُسَ رئِيسَ الرُّبْع، وقَد كانَ يُوحَنَّا يُوَبِّخُهُ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ أَخِيه، ومِنْ أَجْلِ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتي صَنَعَها”. إذاً كان يوحنا يوبّخ الشعب وكذلك الحاكم، وهكذا علينا التكلّم عن كل خطأ لأصلاح كل شائبة تمنع عنّا القداسة والعيش كأبناء الله.
سادساً: عماد يسوع، ولكن هل كان المسيح بحاجة الى عماد، ذلك الذي وُلِدَ بلا خطيئة، هل هو بحاجة الى العماد؟ والجواب نعم، لكن المسيح لم يّعتَمِد كي يتطهّر، لكنّه اراد تقديس العماد، واراد أن يبني الكنيسة على اساس هذا السرّ العظيم. فكما مات لاجلنا واصبح للموت معناً اخر، هكذا نحن نقتضي به ونعتمد. فالنزول في الماء والخروج منها واللباس الأبيض هو دلالة على ترك الإنسان القديم، ترك كل الخطايا، ولبس الإنسان الجديد على اساس المسيح، فهو بكرنا في كل شيء. ما اعظم هكذا ربّ يمهّد لنا الطريق في كل شيء، فهو يأخذ جسداً خاطئاً وميتاً ويقدّسه، وهو الأن يقدّس لنا العماد