نسرٌ حلّق فٱنتشر لاهوته، حنانٌ تفجّر فأظهر حبّه، جريءٌ فبقي وحيدًا مع الوحيد. إنّه الإنجيليّ يوحنّا الحبيب كاتب إنجيل يوحنّا والرّسائل الثّلاث وسفر الرّؤيا. معه ندخل بداية زمن الصّوم المبارك أحد آية قانا الجليل.وبه ننتهي بأحد الشّعانين، كأنّه في هٰذا الزّمن زمن الرّجوع إلى الذّات هو البداية والنّهاية على مثال معلّمه الّذي هو الألف والياء. قولنا هٰذا مُستمدٌّ من تعابير إنجيل اليوم وهي التّالية
اليوم الثّالث: هو الثّالث بعد لقاء يسوع ونتنائيل، والسّابع بعد شهادة المعمدان (راجع الفصل الأوّل) ففي اليوم السّابع ٱنتهى الخلق (تك 2: 1-3)، وفي اليوم السّابع ٱنتهى الإسبوع الأوّل من بشارة يسوع، فكانت آية الخمر، آية خلق جديد. بها أظهر يسوع مجده، وآمن به تلاميذه. وسيكتمل هٰذا المجد بالقيامة (17: 5)، في اليوم الثّالث. أي بعد صلب يسوع وموته. ويُشير أيضًا إلى آية الهيكل الّتي تأتي فورًا بعد آية الخمر. واليوم الثّالث، في الكنيسة الأولى، تعبيرٌ خاصّ بقيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات. للتّأكيد بأنّ هناك فترة تفصل الموت عن القيامة
وكان عرس: يدّل إلى الفرح الكبير في الأزمنة المسيحانيّة، الأزمنة الّتي يحقّق فيها الرّبّ الخلاص. ٱبتداءً من أنبياء العهد القديم إلى التّجسد ميلاد الرّبّ، حيث البشرى للرّعاة، إلى بدء حياته العلنية آية الخمر، الّذي يفرّح قلب الإنسان (مز.104: 15). إلى الصّلب والموت فالقيامة، بدء الفرح السّماويّ
أمّ يسوع: مريم العذراء في إنجيل يوحنّا تظهر مرتين فقط، هنا ولدى الصّليب، في بدء رسالة يسوع، وفي نهايتها. وهٰذه دلالة إضافية، على علاقة حدث قانا الجليل بحدث الصّلب والموت والقيامة
يا ٱمرأة: تسمية ليست للإزدراء كما يظن البعض، بل تسمية ليبيّن طبيعة علاقة غير عاديّة بينه وبين أمّه. رغم أنّها بشر لا تستطيع فهم سرّ الله وأعماله. فهو يسمو على صلة القربى الجسديّة ليجعل منها ٱمرأة العهد الجديد، وباب النّعمة. وهٰذه الكلمة تعود بنا إلى سفر التّكوين (2: 23) وإلى مراجع العهد القديم الّتي تشبّه إسرائيل بالأمّ والمرأة. فمريم هي حواء الجديدة وهي رمز الكنيسة، إسرائيل الجديدة
مهما يقل لكم فٱفعلوه: تُردّد أمّ يسوع ما قاله فرعون للمصرييّن، يوم ٱفتقروا إلى الحنطة: “إمضوا إلى يوسف، ومهما يقل لكم فٱفعلوه” (تك 41: 55). فيوسف قيّم فرعون ملك مصر، رمز يسوع الملك الأعظم. بكلامها هٰذا تضع الخدم بين أيدي يسوع، بمعنى تحمل الإنسان إلى يسوع.الفادي
ستّة أجران: هٰذا الفيض من الخمر يفوق الحاجة في نهاية الوليمة، ولٰكنّه دفق البركة والأفراح على يدي يسوع المسيح المخلّص. وعدد الأجران السّتّة عدد ناقص (7-1=6)، فيسوع صيّر النّاقص تامًّا. وتحويل ماء التّطهّر خمرًا جيدًا رمز تحويل العهد القديم إلى عهد جديد، وأفضل بما لا يُقاس
والخدم الّذين ٱستقوا يعلمون: يرمز الخدم هنا إلى الرّسل، خدّام الكلمة، والمسؤولين عن التّعليم الرّسوليّ الحقّ. وترمز الخمرة إلى هٰذا التّعليم. فيسوع يدعونا للثّبات فيه لكي نحمل ثمرًا لأنّه هو الكرمة الحقيقيّة. كما جاء في الفصل الخامس عشر من إنجيل يوحنّا
أبقيت الخمر الجيد: حتّى هٰذه الآية، ذكر يوحنّا الخمر خمس مرّات، وهو عدد كتب توراة موسى. ليقول لنا بأنّ خمرة يسوع الجيدة فاقت خمور الأنبياء، أي تعاليمهم. وهي ترمز إلى خمرة الإفخرستيا
أظهر مجده: أظهره من خلال عَمَلِه لأنّه من الله قد عَمِلَه. وظهره بعد القيامة عند بحيرة طبريّة. ولا يزال يُظهره من خلال قدّيسيه لاسيما القدّيس شربل الّذي يفوق الخمسون أعجوبة سنويًّا
بهٰذه التّعابير التّسع رمز الثّالوث المثلث، نضع ذواتنا من البداية إلى النّهاية تحت نظر الرّبّ، فحضوره ضمانة أكيدة للفرح وفيض النّعم والخيرات والبركات بشفاعة الحنونة والدة الله مريم العذراء. لذا تعالوا يا إخوتي مع بداية زمن الصّوم المبارك زمن الخصوبة الرّوحيّة، لنخلع عنّا الإنسان العتيق ونلبس الإنسان الجديد، ونحقّق دعوتنا المسيحيّة الأساسيّة ألا وهي قداستنا: “كونوا قدّيسين كما أنّ آباكم السّماوي هو قدوس. بهٰذه الدّعوة نصل إلى ميناء الخلاص، وما الصّوم إلّا سفينة تكفيرٍ نجتاز بها بحار ضعفنا البشري، أمواجه الهائجة مُتّكِلين على نعمته. تكفيك نعمتي
صوم مبارك